Atwasat

دراسة نقدية لأحمد الفيتوري: الرواية الأولى.. بنية سردية مثل حجر الأساس

القاهرة - بوابة الوسط الجمعة 12 مايو 2023, 07:53 صباحا
WTV_Frequency

«الرواية الأولى بنية سردية، تشبه حجر الأساس في البيت، ما عادة يتجلى في ذهن المهندس كتجريد على خارطة البناء، ويغيب في البناء، بمجرد الانتهاء منه كحجر أساس، لذا فإن حجر الأساس ماهيته أنه الحجر المنسي، المدسوس في كل بناء. إن الرواية الأولى المنسية فيما بعدها، حاضرة بقوة في الذاكرة أس كل عقل، ومتشعبة في كل وجدان، ومن ناحية أخرى هي الطفولة، ما يقول القائل إنها البئر الأولى، التي يسميها فرويد العقل الباطن «المشاعر الحقيقية للإنسان هي الموجودة في عقله الباطن أو اللاوعي»، ما يرتكز عليه التحليل النفسي، وما بين التحليل النفسي والعملية الإبداعية من وشائج لا حصر لها». هكذا استهل الكاتب والأديب الليبي أحمد الفيتوري دراسته عن الرواية الأولى.

يقول الفيتوري «الرواية الأولى التي طالعتها مؤخراً لكتَّاب من مصر ومن ليبيا، وقد كتبت ونشرت ما شاركت به بندوات عدة، حول عدد من روايات الكتَّاب المصريين. ثم لما قرأت روايات الكتاب الليبيين، عزمت عن الكتابة عنها فرادى، لكن هنا والآن، أكتب عنها في سياق الرواية الأولى، باعتبارها النموذج المميز للرواية الأولى لكتاب رواية جدد، شباب منهم الشاعر، وثمة فيهم المفارق من ناحية العمر، وقد انغمست في قراءتها تباعاً، من رواية لرواية، دون قصد ولا تخطيط، لكنها توفرت بين يدي مرة واحدة، والرواية منها تحفزني إلى قراءة رواية أخرى، وما أشرت إليه من أنها الرواية الأولى دفعني إلى التأمل في المسألة فالبحث فيها، وقد كُتبت أو نُشرت على الأقل في نفس السنة، غير رواية واحدة.

وهذه الروايات، حسب ترتيب اطلاعي عليها، وأولها آخر ما طالعت: قصور الشعير– رواية: أوسمان بن ساسي، مقبرة المياه لمحمد عبدالمطلب الهوني، غاندي– رواية حمزة الفلاح 2021 ، جاييرا– رواية سراج الورفلي 2021، سمعان القوريني الليبي الذي حمل الصليب رواية محمد عبدالله الترهوني، خبز على طاولة الخال ميلاد رواية محمد النعاس».

التراث السردي الروائي في ليبيا
يضيف الفيتوري في دراسته النقدية «هذه الروايات الأولى لكتابها، تصادف أن قرأتها تباعاً وفي نفس واحد. كنت كعادتي أطالع ما أحب وأكمل ما يمتعني. لكن هذه الروايات كما غيرها، أثارت عندي معنى الكتابة، ما يشرحها بارت: بـ«أن فعل الكتابة، لا يتم دون أن يصمت الكتَّاب. فعل الكتابة كأن يصمت الكاتب، خافت الصوت كالميت، أن يصير للإنسان الذي رفض الإجابة الأخيرة، وأن يكتب يعني أن يهب، منذ اللحظة الأولى، الإجابة الأخيرة للآخر، وما فهمته دائما أن النص يتملص من مؤلفه، من ساعة أن يطالعه الآخر، حتى لو كان الكاتب نفسه، من يعود من العالم الذي يملأ فراغات النص. وقبل أن أعيد التأكيد أن ما يجمع هذه النصوص، كونها الرواية الأولى لكتابها، الذين هم ليبيون لكن هذا ليس له أي معيار في الجمع بينها. فالكتابة المستقلة عن كاتبها، بالضرورة لا تحمل جنسيته، لكن يمكن الإشارة لخلفية جامعة، ما تومئ إليها الجنسية، التي هي التراث السردي الروائي في ليبيا، وعلى التحديد فيما يخص مبحثنا الرواية الأولى».

«قصور الشعير» ديستوبيا روائية تشبه السيناريو السينمائي
وعن رواية قصور الشعير للصحفي والروائي أوسمان بن ساسي، تقول دراسة الفيتوري «آخر ما طالعت من روايات القائمة أعلاه، طالعتها كمخطوط، وأعتبرها الرواية الأولى لأوسمان بن ساسي، وهي رواية في مطلعها استرسال حكائي سردي، ومشهد حواري متدفق، في لغة تقريرية متوالية، كما ديالوج تمهيدي، ثم كما في سيناريو سينمائي ينتقل بالقطع ما يشبه المونتاج، مع الحرص على استراتيجية سردية لعدم الفصل بين المشاهد/الفصول.

الواقع والخيال لعبة أوسمان بن ساسي في روايته الأولى «قصور الشعير»
سراج الورفلى يفوز بجائزة محمد عفيفي مطر للشعر
-
 فصل من رواية لم تكتمل

هذا النسق الروائي الأول، يعقبه حشد من مشاهد متتالية، على خلاف النسق الأول، ما هو حوار ثقافي بين الشخصية الرئيسة (جاد ميزران) وزوجته (سارة)، وفي المتواليات السردية المشهدية التالية، ليس ثمة سياق معقول، فالنسق تتداخل فيه المشاهد، حيث ثمة أجواء حرب أهلية، وعراك بين خصوم «كابو» زعيم ميليشيا وميليشيا «القبعات الحمر»، فمطاردة للبروفيسور (جاد ميزران) من يملك شريحة (قصور الشعير) الغامضة، التي يطارد من أجلها. وفي أجواء القتال والانفجارات والسجون والخطف والقتل العشوائي يسترسل السرد، في جمل تقريرية ولغة خبرية. فتبدو الرواية «ديستوبيا» أدب المدينة الفاسدة أو عالم الواقع المرير، هو مجتمع خيالي، فاسد أو مخيف أو غير مرغوب فيه بطريقة ما. ومعنى الديستوبيا باللغة اليونانية المكان الخبيث، وهي عكس المكان الفاضل «يوتوبيا». ومكان هذه الديستوبيا هو (طرابلس الغرب)، وهناك إشارة لمدن أُخَر كأمستردام، لكن هذه المدن في السياق السردي مجرد علامات تستحث ذاكرة القارئ، والزمان زمن الأحداث يستقي من السياق ودلالته مثل (الهجرة غير الشرعية).

الحشد الحكائي الاسترسالي 
ومن حيث أن، قصور الشعير ديستوبيا روائية فإن هذا الخطاب السردي قماشة لـكل من: (غاندي– رواية حمزة الفلاح) و(جاييرا– رواية سراج الورفلي) و(مقبرة المياه– رواية محمد عبدالمطلب الهوني)، والمشترك بينها أيضا الحشد الحكائي الاسترسالي، ما يتغيّا قول كل شيء ومرة واحدة. وهذا النسج الحكائي أسه «ميتا سرد» مشترك في كتابة الرواية الأولى، ومن ثم مركزه تحارب أهلي بما تعنيه الكلمة، فتختلط الأساليب باختلاط الوقائع، الواقعية الفجة والسريالية الرومانسية والفنتازيا التراثية، وأن هذه الروايات شخصيتها الرئيسة، تعاني من مطاردة تحت أحداث ماطرة غزيرة.

(غاندي– رواية حمزة الفلاح) رواية سيروية، من حيث إن الشخصية الروائية تكتب رواية عن جدها، السياق السردي يبين أن (غاندي) كنية، حملها الشاعر الغنائي (عبدالحميد الشاعري)، كاتب أغنية ليبية شهيرة «سافر ما زال»، الذي هو جد الروائي (حمزة الفلاح)، النسق السردي نقلات بين سيرة الجد والراوي العليم، من كاتب يتغيّا كتابة رواية سيروية عن جده، لكن بنية الرواية ليست مستقيمة وليست سيرة، من حيث إنها تتحول إلى ديستوبيا، سردية المدينة الفاسدة أو عالم الواقع المرير، حتى أن تلتبس مسألة الكتابة مع مسألة الذاكرة، والرسم البنائي السردي متعرج ومتقاطع، دون أي سياق غير السياق الديستوبي، والنقلات والأحداث تتقاطع بشكل حاد، فتبدو كما قصة منفردة أو مقاطع سردية، أو أن الحدث لم يكتمل.

الفيتوري يرى أن التباين بين روايات مقبرة الماء وجاييرا وغاندي و قصور الشعير، لا يخفي المشترك بينها كرواية أولى، السارد فيها سياقه الدلالي قول كل شيء ومرة واحدة، في لغة سرد بلاغتها الهجاء والسخط. وكل رواية حامل هذا الخطاب فيها، الشخصية الرئيسة ما عرف في النقد القديم بالبطل، من يستحوذ على كل المساحة السردية كمقهور مطارد ومطرود في آن. والناقد في هذا ككاتب الرواية، يكرر تيماته، حيث التكرار السمة السردية الأولي لهذه الرواية الديستوبيا.

صورة تجمع غلاف رواية «قصور الشعير» لأوسمان بن ساسي وغلاف رواية «جاييرا» لسراج الورفلي
صورة تجمع غلاف رواية «قصور الشعير» لأوسمان بن ساسي وغلاف رواية «جاييرا» لسراج الورفلي
غلاف رواية مقبرة المياه لمحمد عبدالمطلب الهوني
غلاف رواية مقبرة المياه لمحمد عبدالمطلب الهوني

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
المتاحف الفرنسية تبحث في أصول قطع أثرية أفريقية نُهبت خلال مرحلة الاستعمار
المتاحف الفرنسية تبحث في أصول قطع أثرية أفريقية نُهبت خلال مرحلة ...
إطلاق اسم الفنان الجزائري إيدير على حديقة في باريس (فيديو)
إطلاق اسم الفنان الجزائري إيدير على حديقة في باريس (فيديو)
شاهد: الحلقة الخامسة من برنامج «كولاج» بعنوان «اشتياق»
شاهد: الحلقة الخامسة من برنامج «كولاج» بعنوان «اشتياق»
قضاء نيويورك يعيد 30 عملا فنيا منهوبا إلى كمبوديا وإندونيسيا
قضاء نيويورك يعيد 30 عملا فنيا منهوبا إلى كمبوديا وإندونيسيا
خبراء يزعمون اكتشاف سر «لعنة» توت عنخ آمون
خبراء يزعمون اكتشاف سر «لعنة» توت عنخ آمون
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم