Atwasat

عبر مبادرة «الأثر لنا».. أهل القاهرة الفاطمية يستحضرون «أرواح» الأجداد

القاهرة - بوابة الوسط الإثنين 20 فبراير 2023, 10:29 صباحا
WTV_Frequency

تنظم مجموعة من الشغوفين الزيارات للمقابر والمساجد والمدارس القرآنية، التي كان أهل القاهرة الفاطمية يمرون أمامها دون أن يتمكنوا من دخولها، قبل أن يعيدهم هذا النشاط إلى التواصل مع تراثهم العريق.

وفي وسط القاهرة، ومن أعلى سطح بناية بحي الخليفة تطل على مئذنتي مسجدين يعودان إلى القرن الرابع عشر، قالت المهندسة مي الإبراشي إن «أول مرة فتحنا سبيلا كان لننظم فيه نشاطا لتعليم التراث لأولاد المنطقة، والذين كانت فرحتهم كبيرة».

المهندسة المتخصصة في الحفاظ على التراث أطلقت في العام 2012 مبادرة «الأثر لنا» التي تنظم ورشا وزيارات وحتى أمسيات للعب داخل الأماكن الأثرية مثل جامع ابن طولون، أحد أقدم المساجد في أفريقيا، الذي شيد قبل قرابة 1200 عام، وفق «فرانس برس».

- الإرث الأدبي يخلد نجيب محفوظ في أزقة القاهرة الفاطمية

في العاصمة المصرية، التي يقطنها أكثر من 20 مليونا، تقع الآثار الفرعونية الجاذبة للسياح على الأطراف الصحراوية لضاحيتها الغربية، ولكن في أزقة القاهرة الإسلامية وحاراتها، تتجاور المنازل والآثار بل تتلاصق.

ولكن لم تكن العلاقة بين السكان والآثار على مستوى القرب نفسه، حسب ما يرى خبراء.

الحفاظ على الآثار 
ومنذ أن وضعت مصر سياسة صارمة للحفاظ على الآثار في ثمانينيات القرن العشرين، أغلقت المواقع الأثرية «بالضبة والمفتاح لأنها كانت أفضل طريقة يرونها للمحافظة على الأثر»، على حد تعبير خبيرة الحفاظ على الآثار أمنية عبدالبر.

تعتقد عبدالبر أن هذه الأفكار «موروثة من القرن التاسع عشر عندما راجت فكرة أن المصريين لا يستحقون تراثهم، وبالتالي لا بد من بناء أسوار حول أي أثر حتى لا يدمروه».

وكانت النتيجة، على ما تقول مي الأبراشي، أن الأكبر سنا كانت لهم علاقة أكبر بالتراث، إذ كانت لديهم ذكريات كثيرة فيها منذ الطفولة، على عكس أبنائهم».

 مبادرة «الأثر لنا»
ولذلك، حرصت مبادرة «الأثر لنا» على أن تدمج الحاضر بالماضي. وفي مسجد قديم تم تجديده، أقيمت ورشة لفن الخيامية (نوع خاص من التطريز)، حيث تتولى سيدات رسم كل مظاهر الحياة في مصر بواسطة الخيوط، بدءا بمآذن المساجد والكلاب الضالة وانتهاء ببائع الفلافل، مرورا بأشجار المانغو ومحلات تنظيف الملابس.

ومن خلال هذه الأنشطة التي تعيد الصلة بين الأهالي والمباني والأماكن التراثية مثل الموالد، «يشعر الناس بأنهم يستفيدون من هذه الأماكن، وبالتالي يشعرون بملكية التراث»، حسب ما تضيف الأبراشي.

عندما كان صغيرا، كان محمد طارق (39 عاما) يمر كل يوم أمام بيت «يكن»، وهو منزل لأسرة ثرية شيد في القرن السابع عشر وكان يطلق عليه تسمية «المزبلة» في طفولته. وعندما كبر، جاء إلى المكان نفسه ومعه عجل قبل زواج أخته لأن جزّارا كان يستخدم الموقع للنحر.

اليوم، يعمل طارق في منزل «يكن» وينظّم زيارات للمكان الذي تفوح رائحة الزهور من مشربياته التي نحتها نجارون متخصصون. في العام 2009، اشترى المهندس المعماري علاء حبشي المنزل من الجزّار لينقذه من أمر هدم.

ويشرح هذا الأستاذ الجامعي أنه «كانت توجد 600 بيت بأفنية، وهي بيوت مميزة، وكان أهل الحارة يرتبطون بهذه المنازل، وكان الفناء جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية». لكنه يوضح أنه لم يعد هناك سوى 24 من هذه البيوت مصنفة ضمن التراث الوطني.

بيت «يكن»
أما البيوت الأخرى، مثل بيت «يكن»، الذي يحوي مكتبة تشغل طبقتين وتحتفظ أسقفه بنقوش خشبية من العهدين المملوكي والعثماني، فليست لها أي حماية قانونية.

ويضيف الحبشي بأسف «لا أحد يعرف في أي حالة توجد البيوت التي لم يتم هدمها بعد وكل يوم يُهدم بيت جديد»، وفق «فرانس برس».

ويتابع الحبشي كانت «أفنية هذه البيوت موجهة كلها نحو الشمال الغربي لكي تستقبل الهواء البارد الآتي من البحر المتوسط، وكانت تلعب دورا كبيرا اقتصاديا واجتماعيا كبيرا في محيطها المجتمعي والعمراني».

ولإحياء هذه المناطق لتصبح مجددا مواقع للمشاركة المجتمعية في مدينة تتآكل فيها الأماكن العامة لصالح أعمال البناء وإنشاء الطرق، يستقبل بيت «يكن» بانتظام ورشا فنية وحملات للتوعية بالحفاظ على التراث وحفلات مخصصة لأهل الحي.

جسد وروح
ذلك أن هذه البيوت ما هي إلا الجسد وهي بحاجة إلى روح، والروح هي من يرتادها أي المجتمع» المحلي وأنشطته، على حد تعبير الحبشي.

وتؤكد عبدالبر أن هذه البيوت «تتيح للناس أن يأتوا ليشعروا بالراحة والاسترخاء بعيدا عن الشقق الصغيرة التي يعيشون فيها والشوارع المزدحمة التي يسلكونها».

ويحذر الحبشي من أن إهمال هذا النسيج العمراني قد لا يترك للكثير متنفسا في القاهرة الإسلامية، ما قد يجعل الناس يهجرون العيش فيها.

ولكن أمنية عبدالبر تفضل الحفاظ على تفاؤلها، وتقول إن مبادرات مثل «أثر لنا» و«بيت يكن» يمكن أن تكون مساحات «مرحبة» وهي تمنح «راحة بال» لروادها.

وتضيف «أتمنى أن تصبح هذه البيوت هي الحديقة العامة التي تذهب إليها الأمهات مع ابنائهن».

صورة التقطت في 11 يناير 2023 لمبنيين أثريين في خي الخليفة في القاهرة (أ ف ب)
صورة التقطت في 11 يناير 2023 لمبنيين أثريين في خي الخليفة في القاهرة (أ ف ب)
صورة التقطت في 11 يناير 2022 لجامع محمد علي في القاهرة القديمة (أ ف ب)
صورة التقطت في 11 يناير 2022 لجامع محمد علي في القاهرة القديمة (أ ف ب)
أستاذ الهندسة المعمارية ومالك بيت يكن التراثي في القاهرة القديمة علاء الحبشي في 8 ديسمبر 2022 (أ ف ب)
أستاذ الهندسة المعمارية ومالك بيت يكن التراثي في القاهرة القديمة علاء الحبشي في 8 ديسمبر 2022 (أ ف ب)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
جاستن وهيلي بيبر ينتظران طفلاً
جاستن وهيلي بيبر ينتظران طفلاً
انطلاق الدورة 33 من معرض الدوحة الدولي للكتاب بمشاركة ليبية
انطلاق الدورة 33 من معرض الدوحة الدولي للكتاب بمشاركة ليبية
يعتبرها علم الأعصاب مستحيلة.. فنانة ترسم 10 لوحات بيديها وقدميها في وقت واحد
يعتبرها علم الأعصاب مستحيلة.. فنانة ترسم 10 لوحات بيديها وقدميها ...
اختتام المؤتمر الدولي حول ترجمة معاني القرآن الكريم
اختتام المؤتمر الدولي حول ترجمة معاني القرآن الكريم
مهرجان «كان» تحية قد تكون الأخيرة لمخرجي «هوليوود الجديدة»
مهرجان «كان» تحية قد تكون الأخيرة لمخرجي «هوليوود الجديدة»
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم