Atwasat

لقطات كورونوية (7)

جمعة بوكليب الخميس 07 مايو 2020, 11:55 صباحا
جمعة بوكليب

التحصّن وراء جدران البيوت خوفاً من الإصابة بالفيروس الوبائي ربما كان أسهل احتمالاً لو أن المتحصّنين تشاركوا في وضع خطة عملية تمكنهم من مقارعة الضجر. وعلى ما يبدو، فإن هذا ما توصّل إليه، مؤخراً، عدد أربعين روائياً برتغالياً بموافقتهم على المشاركة في خطة تأليف رواية جماعية. الفكرة بدأتها روائية اسمها Ana Margarida de Carvalho بتأليف فصل من رواية نشرته، وعرضت على زملائها الروائيين المشاركة بتأليف فصول تالية يتولى كل واحد منهم تأليف فصل يبتدي من حيث انتهى مَنْ قبله. المشروع الروائي الجماعي ظهر على صفحات موقع الفيسبوك.

أضف إلى ذلك، أن عدداً من المترجمين في عدة لغات أوروبية تطوع لترجمة ما ينشر من فصول. وصل عدد المتابعين من القراء 15 آلف قارئ في مناطق عديدة من العالم. نجاح المشروع الروائي الجماعي أستقطب اهتمام الكثير من وسائل الإعلام وخاصة المواقع والصفحات الثقافية والأدبية في كل أوروبا.

فكرة الرواية تتمحور حول فيروس غريب هاجم الأرض، ويعرضها للخطر. الروائية التي بدأت المشروع، أوضحت في تفسيرها للأسباب التي دعتها إلى الخوض في هــــــذه المغامرة قائلة: «بدلاً من تكريس نفسي لتأليف كتابي بتدوين مذكراتي في الحجر الصحي واصفة رحلاتي وأنا أدور في غرفتي كما فعل خافيير دي مايستري – Xavier De Maistre فكرت بأنه قد يكون أكثر تشويقا كسر الجدران من حولنا من خلال الأدب، وعبور العزل الاجتماعي».

الكُتّابُ المشاركون في المشروع الروائي الجماعي أصدروا بياناً قالوا فيه: «بالنسبة لنا فإن التحصن على أرائكنا المنزلية ليس كافياً. لذلك، ورغما عن المحنة القاسية الحالية، نريد التوضيح بأننا ما زلنا هنا، على تواصل مع الناس. نعمل بدون شبكة الأمان، ومن دون تحرير، أو مراجعة،.... وما نريده الآن هو أن نعرض عليكم فراراً إلى الإلهام. ويوماً ما لدى انتهاء هذا الوباء، سنعود إلى إلهامنا بحرّية. وحين يستأنف العالم فتح ابوابه، سنكون هنا لاستقبالكم بأذرع مفتوحة».

يمكن للقراء الراغبين في التعرف والاطلاع على التجربة الروائية متابعتها على صفحة Bode Inspiratório بالفيسبوك، حيث تنشر يومياً مترجمة إلى لغات عدة.
2
التزاماً مني بتنفيذ تعليمات وإرشادات الحكومة الصحّية، بكّرتُ، ذلك اليوم، بالاستيقاظ، وعجّلت بالخروج من البيت قاصداً التبضع من سوبرماركت قريب إلى بيتي، تجنّبا للإصابة بعدوى الفيروس، وتفادياً لتضييع وقت طويل في انتظار ممل. حين وصلت، سريعاً، ،إلى جهتي المقصودة، وهدفي المأمول، وجدتُ أمامي طابوراً من البشر المتبضعين، بأول ولا آخر، وهذا لم يكن متوقعاً، وجعلني أعتقد أن الناس كل الناس، وليس الواقفون في الطابور فقط، صاروا خلال محنة الفيروس، يقرؤون من صفحة واحدة. تلك اللحظة، كان أمامي خياران: أولهما الاكتفاء من الرحلة بغنيمة الإياب إلى البيت بيدين خاويتي الوفاض. وثانيهما التسليم بالأمر الواقع والانضمام، طوعاً، إلى من سبقوني بالوقوف في الطابور. فانحزتُ إلى الخيار الثاني، وقابلاً بتحمّل تبعات مشقته.

لم تكن الساعة قد تجاوزت الثامنة صباحاً. وكان الطقس ربيعياً، بسماء خلت من الغيوم، وأزهرت بنور شمس ودفء. لم يمرّ على وقوفي أكثر من ربع ساعة، فإذا بصياح ديك يخترق جدار السكون من حولي مؤذناً، ومعلناً عن وجوده. لو لم أسمع بأذنيّ الاثنتين الصوت، لما صدقت. لكن الديك كان ديكاً حقيقياً وليس من حلوى. حين صاح مرة أخرى، أفقت من ذهولي، وأيقنت أن ما أسمعه على غرابته، لم يكن من صنع تهيؤاتي، بل حقيقة أخرى تضاف إلى قائمة طويلة من عجائب وغرائب العيش في زمن وبائي.

سنوات طويلة مرت على وجودي وعيشي في لندن، لم يطرق فيها سمعي صوت ديك يصيح رغم ازدحام أحيائها وشوارعها بديوك من كل الجنسيات والأديان واللغات، ولم أسمع خلالها سوى نعيق الغربان، ونباح الكلاب، وصوت القطارات، ثم في لحظة خاطفة، أسمع صياح ديك مرّتين متتاليتين، في ساعة مبكّرة في صباح ربيعي، خلت سماؤه من الغيوم، وأزهرت بنور شمس ودفء حنين.

3
باسترخاء وكسل، وأنا ممدد فوق سريري، حطّتْ عيناي على ما تبقى من فُتات عتم ليل تبقّى من الليلة الماضية، تناثر في سكون الحجرة. رصدتُ، من شرفة قلبي، اطلالةَ ضوءِ نهارٍ آخر يقتربُ على مهلٍ، قادماً ليتمدد مستريحاً على عشبِ حديقةِ بيتي. سقسقةُ عصافير تتقافزُ مرحاً على أغصان شجرة يتيمة. ولحن تردده شفتاي بخفوت، التقطته، ذات مساء خريفي، متسللاً بشجن من قلب عازف قيثارة، كان يقف متسولاً، في زاوية قريبة من مدخل محطة قطارات. امرأة تعبر، الآن، المسافة بين أشواك سِنّي مراهقتي وتفتّح زهر أوهام شبابي، تترك وراءها ابتسامات خجولة، وتنعطف باتجاه رجل آخر.

فكّرت أن ما تبقى من وقت، في روزنامة عام الوباء هذا، ربما يتيح لي، قبل أن تغادرني، نهائياً، طفولتي، فرصة، أخيرة، لتعلم الطيران من دون أجنحة، على أمل أن أحرر قلبي من عبء صرخته المكتومة، وبطموح أن أتربّع، لمرّة وبنشوة، مع الطيور على عرش مملكة صحو سماء ربيعية، قبل أن يلوثها البشر مجدداً.