Atwasat

اعمل...بالمُستطاع إليهِ سبيلا

أحمد الفيتوري الإثنين 16 سبتمبر 2019, 12:48 مساء
أحمد الفيتوري

• الإهمال صنو السرقة!

نقف قُدام الأهرام كمعجزة بشرية، صرحٌ بُني منذ آلاف السنين، بإمكانياتٍ محدودة، كثيرا ما خطر ببالي هذا، حين كنتُ أنصتُ للمتذمرين وعويلهم، حول نقص الإمكانيات في حال ما، بدا لي أن الشكاء البكاء لا يُعول عليه.

لكن الأشنع من ذلكم حين تتوفر الإمكانيات، ثم تترك للسوس: هذه الأيام التقيت صديقا، طبيبا بارعا، معايشا معاناة الليبيين أكثر من كثيرين منهم، رغم أنه يعيش في بلاد بعيدة منذ عقود، أراني صورا جمة لمستشفى في بنغازي، معلقا أن الصور تُنمذجُ حال مستشفيات أُخر في طرابلس... وهلم، الصور لمستشفى متكامل شكلا وموضوعا، البناء السليم الجميل، الآلات المتنوعة منها ما زال في صناديقه.

ثم علق كخبير: ما ترى قلّ نظيره، في مستشفيات بدول غنية ودول متقدمة، لكن ما يَتميزُ به في ليبيا عن غيرها: الإهمال، حيث لم يستخدم ما توفر في أفضل حال، فيما يكابد ليبيون، منهم مسئولون في ذا المستشفى، الويلات من جهد، ووقت، ومال، للعلاج في الخارج، بمستشفيات بل عيادات تفتقر لأقل المستلزمات.

لقد كان الليبيون يعيشون في ضنك، وعندئذ عاشوا الحياة كما يجب، الآن في حرب وإنها لأرذل الشرور، لكن رغم ذلك يتركون الماء يهدر كشلال، ثم يأخذون في البكاء على الماء المسكوب.

علقت لصديقي وحكيت له قصة مماثلة: أنني عُينت عام 1990م، بالمركز الثقافي بحي الصابري بمدينة بنغازي، وبذا المركز مخزن مغلق سألت عما فيه، لم أُجب إلا بأن لا أحد يعلم، فمنذ سنوات مغلق، والمفتاح كان عند موظف مات!، تحينت فرصة، من غيابات مدير المركز المكررة، وتغيب زميلي في الفترة المسائية، حطمت قفل باب المخزن، فذُهلت بما رأيت بأم عيني، وأنفي، حيث عطن مكان مسدود، وثمة ما فسد مضافا لجثة فئران، ثمة أدوات تنظيف بادت، مواد تنظيف خربة، ومبيدات حشرات وفئران جافت، أجهزة إذاعة داخلية وتلفزيونات ملعب فئران، كتب مجلدة وأدوات مكتبية، أكلتها العثة والرطوبة، مكاتب وكراسٍ ،وما شابه من الحديد صدئة.

قلت في اليوم التالي للزملاء والمسئولين: إن فعلا كهذا صنو السرقة، بل وأشنع.

• الوقاية قبل العلاج
كلنا نردد، ما لا يُطال كله لا يترك كله،كلنا نمجد، من يتقدم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، كلنا نحتفي، بمن أشعل شمعة بدل أن يلعن الظلام.

لكن رغم ذلك فكأننا نصرخ في واد، وأننا طرش، ونقول مالا نفعل، مدننا جُملة وتفصيلا، بلداتنا وقرانا، مؤسساتنا ما تبقى منها، يضربها الإهمال وتنهار على رؤوسنا، أما طرقاتنا كما الكهرباء، فكل يوم يمر، ندخلها في سبق إحراز، أن تكون أسوأ، بدءً من بيوتنا وشوارعنا.

الجبل الأخضر يُجَرفْ، ثم يحول إلى مكب لقاذوراتنا، والكل في المدن والقرى، يشتكي من الآخرين، من حولوا حياته إلى مكب زبالة، فأمسى لسان حالنا: الآخرون هم الجحيم، كما قولة سارتر الوجودية.

نريدها فيدرالية، ويريدها المستفيدون لا مركزية، لكننا نعول في عويل، على المركزية، لصيانة غرف نومنا وأسرتنا ومراحيضنا حتى، ونشتكي من غياب الإمكانيات، ونترك ما متوفر منها للتهلكة، ونتركها كي يزدهر الخراب، ثم نبكي هزيمتنا، والخيبات التي نحصد، وقد حصدنا ما نزرع.

السؤال هل تم استغلال ما توفر في حده الأدنى؟، هل شراء المكاتب الفاخرة لمكاتب المسئولين سيوفر لهم الحياة الكريمة، في مبنى خرب، شوارع معطوبة، قرى ومدن مزبلة؟، لما المدارس المتوفرة لا تُصان، والإمكانيات المتوفرة تبدد، والقدرات تهدر؟ الأسئلة هذه جمعا نرددها، جمعا نصلي ونسبح وندعو الله أن ينتقم من الظالمين، وحق فينا القول:... وأنفسهم يظلمون.

نتبادل لعبة تبادل التهم، لعبة الاستغماء، وجميعا نقع في الحفرة التي نحفر، مسئول وغير مسئول، نهدر الوقت والجهد والمال ثم نبكي ما أهدرنا...