Atwasat

العلمانية غير قابلة للاستنساخ (1-4)

فلاني عبدالرحمن الزوي الخميس 17 يناير 2019, 04:50 مساء
فلاني عبدالرحمن الزوي

(العَلمانية والعالمانية هو المبدأ القائم على فصلِ الحكومة ومؤسساتها والسّلطة السّياسيّة عن السّلطة الدّينيّة). كانت عند الغرب هي الكنيسة. وعندنا نحن المسلمين نُسبت إلى رجل الدين أو المؤسسة الدينية في أي شكل كانت بدلاً عن القس أو الراهب في المسيحية.

من هنا ومن السطر الأول المصطلح لا علاقة له بدين وشريعة الإسلام لسببين اثنين.

السبب الأول، في الإسلام لا يوجد ولا يجب أن يكون أصلاً في هيكله كدين سلطة دينية أو أداة تحَكُم تستمد مبرراتها من الدين، كما هو حال الكنيسة. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يرس أبداً ولم يمارس السلطة الدينية من موقع رجل الدين أو رأس هرم سلطة دينية على الإطلاق، لا في محيط مكة ولا المدينة، حتى مراسلاته لملوك الفرس والروم والقبط كانت تبدأ بالقول، من محمد رسول الله وتختم كذلك، قاد الجيوش من واقع الحنكة والعبقرية العسكرية وليس من الجانب الروحي أو الزعيم الديني كما هو شأن الراهب في الكنيسة، ولو كان الأمر غير ذلك لما أخذ برأي جندي محارب في غزوة بدر وهو الرسول وصاحب الوحي والرسالة والذي يأتيه وحي السماء.

لو أخذنا بأن أحد تعريفات العلمانية القائل بأن (سلطة الدولة لا تجبر مواطنيها أو تلزمهم بنهج أو اعتقاد دين أو معتقد معين)، ولو تأملنا في هذا التعريف بمفرده فنجده يصب في نص الآية الكريمة من سورة البقرة ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) الآية 256.

لو افترضنا أن الدستور ينص على دين أو معتقد معين بأنه هذا هو الدين الرسمي للدولة، إذاً علينا بطرح السؤال هنا، هل الدين هو معتقد يحمله الفرد كعقيدة ويمارسه شعائر في عباداته ويلتزم بأوامره ونواهيه ويرضخ لها كفرد في المجتمع لأنه دينه ومعتقده كفرد، أو لأنه دين الدولة المنصوص عليه في دستورها والتي يقطنها ويحمل هويتها بغض النظر عن معتقده هو ومدى التزامه بذلك المعتقد؟ أم أن الدين هو نص تضعه الدولة مادة في دستورها وحسب؟. ماذا يُفهم من أن يكون للدولة معتقد أو دين معين منصوص عليه في الدستور؟، وكيف تتم ترجمة هذه العبارة عمليًا وكيف يتم تطبيقها على مسلمي الدولة؟. وكيف يكون الحال لو أن الدولة مواطنيها يعتنقون ديانات مختلفة بنسب متقاربة من بعضها البعض؟ هل سيتم النص على دين أو أديان في الدستور؟. هناك فرق كبير بين أن نقول بأن الإسلام نصوص وأحكام وحدود وتشريعات يجب الالتزام بها والعمل بها في القوانين ذات العلاقة والمنصوص عليها نصًا صريحًا في القرءان أو السنة النبوية، وأن ينص الدستور على أن يكون القرآن مصدرًا من مصادر التشريع للمجتمع، وبين أن نقول إن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع كمادة في نص دستوري عام هكذا فحسب.

بغض النظر عن الاختلاف أو التباين الطفيف في معنى وترجمة مصطلح العلمانية عبر التاريخ وتفاوت ذلك المفهوم بين لغات العالم القديم والحديث، إلا أن هذا المصطلح يرسم خطًا فاصلاً بين عموم الشعب من ناحية وبين الكنيسة ورجال الدين أو السلطة الدينية من ناحية أخرى، هذا الخط الذي تحول إلى جدار عازل وفاصل بين مطالب واحتياجات المجتمع ومتطلباته اليومية والحياتية والعملية بشكل ملموس، وبين ما يمارسه رجل الدين والكنيسة من تُرهات وغيبيات لا علاقة لها بحياة المواطن اليومية ولم تكن قط نصوصًا سماوية إصلاحية كما جاء بها عيسى عليه السلام، لم تمارس الكنيسة ورهبانها غير القهر والظلم من خلال جباية الرسوم والإتاوات الباهظة وبيع صكوك الغفران وقطع رقاب العلماء بحجة تطاولهم على الرب ومخالفة تعاليم السماء والخروج على تعاليم الكنيسة ومخالفة أوامر القساوسة والرهبان.

حتى لو توقفنا عن الحديث عند هذه المرحلة في البحث والمقارنة، نجد أن العلمانية لا مكان لها في منهج العقيدة الإسلامية من الأساس، وهذا يؤكد أن التلويح الذي يشير إليه البعض من المخاوف الناجمة عن تطبيق مبدأ العلمانية في المجتمعات التي تدين بالإسلام هو دليل قاطع على أن رجال الدين وجدوا أنفسهم يمارسون نفس الدور الذي مارسته الكنيسة ورجال الدين في المسيحية، وأنهم يريدون التمترس في مواقعهم التي خلقوها هم لأنفسهم وهي ليست من تركيبة ولا من هيكلة الديانة الإسلامية على الإطلاق بل هي تحريف وانحراف للقيم الإسلامية ولرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، هذا يكشف لنا النقاب بأن هناك توجسًا ومخاوف من قِبل رجال الدين على فقدان مراكزهم التي ليس لها ملاك تعبدي أو تشريعي من الأساس، والدليل أن محمد صلى الله عليه وسلم لم يمارس دور رجل الدين. بل مارس دور الداعية والرسول المكلف بتبليغ رسالة للبشرية قاطبة، وأرسى معالم ودستور الدولة في المدينة بمختلف شرائح المجتمع الذي كان يقطنها مع المحافظة على معتقداتهم ولغاتهم وشرائعهم، ولأنه صاحب دعوة وهو مكلف بنشرها ودعوة الناس لها بالدرجة الأولى، فعندما فرضت عليه مواجهة الخصوم قام بدوره كقائد أحيانًا وأوكل الأمر لغيره حسب الخبرة والكفاءة أحيانًا أخرى، ولو كان الأمر يعود لرجل دين كما هو حال القس أو الراهب لما أمر بأن يكون بعض من كبار الصحابة يقاتل كجندي ويأتمر بأمر زيد بن حارثة في موقعة مؤتة وهو شاب لم يتجاوز من العمر سن الثامنة عشرة آنذاك.