Atwasat

التحالف الذي تحتاجه ليبيا

سالم العوكلي الأحد 20 ديسمبر 2015, 11:02 صباحا
سالم العوكلي

لماذا قررت السعودية تشكيل تحالف إسلامي ضد الإرهاب الآن، وفي هذا التوقيت،، وفي زمن قياسي استغرق 72 ساعة للإعلان عنه؟ وما الذي طرأ من جديد ونحن نعرف أن الإرهاب يضرب المنطقة منذ عقود؟

فترة ما يسمى بالحرب الباردة، أو صراع القطبين الرئيسيين في العالم، تصادمت أمريكا مع الاتحاد السوفياتي على الأرض في دول شرق آسيا وفي أمريكا الوسطى والجنوبية، بينما لم يحدث هذا بشكل ظاهر في منطقة استراتيجية مهمة مثل الشرق الأوسط، لأن الولايات المتحدة استخدمت الإسلام وكيلا غير مباشر لمقاومة المد الشيوعي في المنطقة، عبر تأجيج النزوعات الراديكالية الإسلامية(السنية) بعد تغذيتها بأن الصراع بين القطبين صراع ديني بين الإلحاد وأهل الكتاب، ولم تلبث أن وفرت أجهزة المخابرات الأمريكية بمساعدة سعودية كل الدعم اللوجستي لوصول الجهاديين إلى أفغانستان، وشكل المجاهدون العرب قوة قتالية مهمة إلى جانب الفصائل الإسلامية الأفغانية، والتي سرعان ما تحاربت فصائلها بعد انسحاب الروس من أفغانستان.

الآن يستيقظ الدب الروسي من جديد من غيبوبته، وتظهر آثار أقدامه على جليد العلاقات المتوترة بين أقاليم المنطقة، ليعيد إلى الخيال الأميركي رهابه القديم، خصوصا مع دخول روسيا بقوة الحرب في سوريا كلاعب رئيسي، فيلجأون من جديد إلى تكنيكهم السابق وإن بوسائط مختلفة، ولأن روسيا تدخل هذه المرة بذريعة الحرب على الجماعات الإرهابية، فكان البديل تحالف تحشيد الجهاز الرسمي هذه المرة عن طريق تحالف إسلامي سني بين الدول وليس عبر تنظيمات سرية، لتتلقى المملكة السعودية الأوامر بتشكيل هذا التحالف وبسرعة قياسية. والجديد الذي طرأ هو دخول الروس إلى حمى أمريكا وأوروبا دون إذن، هذا التدخل الذي فتح الصندوق الأسود، وفضح اللعبة برمتها، وعكر صفو السيناريوهات المرسومة للمنطقة، وفضح أكذوبة التحالف الذي تقوده أمريكا في حربها على الإرهاب، كما كشف الغطاء عن الممالك والدول الداعمة للإرهاب بالوثائق والصور.

السياسات التي جعلت الغرب وعلى رأسه أمريكا يدعم وصول الإسلام السياسي إلى المنطقة بعد الربيع العربي خشيةً من تصدر اليسار للمشهد الجديد

السؤال الآخر: لماذا تعرقل أمريكا مشروع تأسيس القوة العربية المشتركة المنصوص عليها في بنود تأسيس الجامعة العربية وتبارك هذا التحالف الإسلامي الكبير؟ ويعيدنا هذا السؤال إلى الرجوع أربعة عقود حيث ظهرت فكرة تشكيل منظمة المؤتمر الإسلامي لأول مرة، تحت اسم الحلف الإسلامي، دعا إليه الملك فيصل بن عبد العزيز، عام 1965، ولم يوافق على الانضمام إليه سوى إيران الشاه والأردن، حيث نُظر إليه كمحاولة لتوسيع حلف بغداد الموالي للغرب، ضد المد الثوري في العالم العربي، في خضم الحرب الباردة ضد المعسكر الشيوعي، وقبل أن يظهر التهديد الشيعي الذي جعل إيران الآن مستهدفة ضمنيا عبر هذا التحالف.

طرح الملك فيصل بن عبد العزيز خطة تأسيس "الحلف الإسلامي" أملاً في جعله نقيضاً للجامعة العربية، وحظيت فكرة فيصل بتعاطف واشنطن ولندن اللتين كانتا، تقليدياً، تعتبران الدين حائلا دون انتشار الأفكار الاشتراكية والتحررية.

وهذا ما يفسر، من جانب آخر، السياسات التي جعلت الغرب وعلى رأسه أمريكا يدعم وصول الإسلام السياسي إلى المنطقة بعد الربيع العربي خشيةً من تصدر اليسار للمشهد الجديد، ومن عودة المد القومي العربي الذي بدأ شبحه يطل منذ وصول السيسي إلى كرسي الرئاسة.

هذا الخيار الذي لاقى قبولا من القوى الكبرى جراء التقدم السريع والقوي في العلاقات بين إسرائيل وتركيا تحت حكم أردوجان وحزب العدالة والتنمية الأخواني، والذي وصل الآن إلى مناقشة سبل التطبيع بين الدولتين.

الأسئلة كثيرة، لكن ما يعنيني في هذا الصدد هو دخول ليبياـ وهي أشلاء دولة ـ على الخط، والانخراط تلقائياً في هذا التحالف بسرعة قياسية أيضا، ودون أن تطرح أسئلة عن المقصود بالإرهاب الذي تنوي السعودية محاربته عبر التحالف؟ خصوصا وأن عقيدتها الوهابية هي المغذي الأساسي لكل مجموعات التطرف السنية التي ظهرت وتظهر تباعا، وأن الفتاوى القادمة منها هي التي تعيث خرابا في السلم الاجتماعي الليبي.

السعودية تضع نظام بشار الأسد، والألوية الإيرانية في سوريا، وحزب الله، والحوثيين، في أولويات قائمتها الخاصة للإرهاب، وتعيش صراعا مذهبيا مع الخمينية منذ قيام الثورة الإيرانية، وهو الصراع الذي تسبب في ظهور الجماعات الإرهابية كخيار لوقف التمدد الشيعي كما استخدم سابقا لوقف الاشتراكية العالمية. فما دخل ليبيا بكل هذا؟

التحالف الوحيد الذي تحتاجه ليبيا هو تحالف داخلي، تحالف قواها الممزقة ضد الإرهاب. ما تحتاجه ليبيا هو دعم حكومة الوفاق المقترحة كسبيل وحيد وسلمي متاح للخروج من أزمتها التي جعلت كل من هب ودب يتدخل في شؤونها، وجعلت الإرهاب يتمدد يوميا على أرضها، ودعم هذه الحكومة بكل ما لها وما عليها هو الكفيل بتجميع قطع المؤسسة العسكرية الليبية المنتشرة في كل الجهات، ومن ثم رفع الحظر عن تسليح الجيش، حيث هو الوحيد القادر مع تعاون القوى الوطنية والاجتماعية على دحر الأخطار التي تتهددنا دون أن تتلاعب بنا التحالفات المشبوهة كما يحدث في العراق وسوريا واليمن، ودون أن نكون مضطرين لخوض حرب بالوكالة عن قوى دولية وطوائف إقليمية سندفع ثمن صراعها فوق أرضنا.