Atwasat

البنتاغون خارج نطاق السيطرة

فريد زكريا الإثنين 08 ديسمبر 2014, 09:33 صباحا
فريد زكريا

نيويورك –
ربما لم يكن تشاك هيغل قادرًا على العمل مع موظفي مجلس الأمن القومي الذين يزدادون قوة باستمرار، ولكن مناقشة الشخصيات هذه تغفل نقطة مهمّة. إن مفتاح النجاح لوزير الدفاع اليوم لا يكمن في قدرته على إدارة مساعدي البيت الأبيض، بل وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون»، التي تمثّل البيروقراطية الأكثر تعقيدًا وخللًا وظيفيًّا في العالم. إن آشتون كارتر، الذي وقع عليه اختيار الرئيس أوباما ليشغل منصب وزير الدفاع التالي، رجل رائع وربما اكتسب بعض الأصدقاء في البيت الأبيض. ولكن تعتبر أفضل صفة له حتى الآن أنه يفهم على ما يبدو الحاجة إلى كبح جماح البنتاغون الذي خرج عن نطاق السيطرة في الوقت الحالي بدرجة يصعب فهمها أو شرحها بالكامل.

ينتاب الجمهوريين القلق من وجود خلل في الحكومة. ويبدؤون تحقيقات لمعرفة السبب وراء إهدار بضع مئات من ملايين الدولارات، ويصرون على أن الوزارات يمكنها فعل الكثير بتكاليف أقل. وباستثناء كونها أكبر بيروقراطية حكومية في العالم، فإن وزارة الدفاع تنفق نحو 600 مليار دولار سنويًا (أكثر من الناتج المحلي الإجمالي الكامل لبولندا)، ويعمل بها 1.4 مليون عسكري و700 ألف مدني و700 ألف آخرين متعاقدين بدوام كامل. إن حسابات البنتاغون واسعة ومعقدة لدرجة تجعل إجراء تدقيق شامل لها عملًا مستحيلًا.

ومع ذلك، صدر مؤخرًا تقرير «مكتب محاسبة الحكومة» الذي ينم عن جهد مخلص، خلص فيه إلى أن إجمالي التجاوزات في الموازنة لأنظمة الأسلحة الحالية يبلغ حوالي 500 مليار دولار. وتزيد تكلفة برنامج طائرة «جوينت سترايك فايترF-35» وحده الآن في الموازنة بنحو 150 مليار دولار. وبعبارة أخرى، فإن تجاوز التكاليف على نظام أسلحة وحيد يزيد عن مجموع موازنات الدفاع لبريطانيا وفرنسا معًا! وقد تم إلغاء أسطول طائرات هليكوبتر رئاسية جديد بعد أن اقتربت تكاليف مروحية واحدة من طائرة جامبو من طراز بوينغ 747. وهناك أمثلة أخرى على هذه الشاكلة.

في العام 1961، حذّر دوايت أيزنهاور من «النفوذ غير المبرَّر للمجمع العسكري الصناعي». وبعد خمسين عامًا، في 15 ديسمبر 2011، بمناسبة الذكرى السنوية لخطاب أيزنهاور، ذكر خبير شهير في شؤون الدفاع أن الأمور قد زادت سوءًا وفسادًا، مشيرًا إلى أن النظام قد سيطر على الكونغرس نفسه، والذي ينبغي أن يُسمَّى الآن «المجمع العسكري الصناعي البرلماني». وتحدث الخبير عن تفشي استخدام المخصصات، «المشروعات البرلمانية»، غير المرغوب فيها من قِبَل الإدارة، والتي تصل مخصصاتها إلى مليارات الدولارات سنويًا.. التي تبدد موارد دافعي الضرائب لسنوات وأحيانًا عقود. وانتقد سياسة «الباب الدوار» بين كبار مسؤولي البنتاغون وجماعات الضغط أو اللوبي والطريقة غير الملتزمة بقواعد السوق وغير القادرة على المنافسة لشراء أنظمة الأسلحة. وخلص الخبير إلى ما يلي: «على مدار العقد المنصرم أو نحو ذلك، أدى ما قمت بوصفه هنا إلى مفاجأة هائلة في الصناعة، لكنها كانت بمثابة وصفة لكارثة مطلقة بالنسبة لدافعي الضرائب والمحاربين».

في العام 1961، حذّر دوايت أيزنهاور من «النفوذ غير المبرَّر للمجمع العسكري الصناعي».

جاء هذا النقد الراديكالي للبنتاغون من السيناتور الجمهوري جون ماكين. ويوافقه في آراء كثيرة وزير الدفاع السابق روبرت غيتس الذي يصف في مذكراته الأخيرة وزارة الدفاع الأميركية بأنها «بيروقراطية عملاقة كالمتاهة»؛ حيث شنَّ عليها «حربًا معلنةً» للحصول على نتائج. إن 401% من إنفاق البنتاغون يتجه إلى النفقات العامة، حسبما يشير غيتس في الكتاب، وهناك ما يزيد عن 30 درجة من الموظفين فيما بين وزير الدفاع وموظف قانوني.

وهناك برنامج المعاشات التقاعدية للبنتاغون، وهو البرنامج الفريد من نوعه تقريبًا من حيث سخائه وكرمه. فبعد 20 عامًا من الخدمة، يمكن للمرء أن يتقاعد بمعاش تقاعدي كامل، معدَّل بطريقة موازية للتضخم، ورعاية صحية عالية الجودة مدى الحياة، تدفع العائلة نظير ذلك نحو 550 دولار سنويًا. لذلك يمكن للشخص الذي خدم عسكريًّا أن يتقاعد في سن الـ38، ثم يلتحق بوظيفة جديدة، ويحصل طيلة حياته المتبقية على مزايا حكومية سخيّة. في العام 2012، بلغت تكلفة المتقاعد العسكري ونفقات المستفيدين من هذه المزايا 52 مليار دولار. وهذا يزيد على الموازنة الكاملة لوزارة الخارجية.

إن البنتاغون لا يشبه شيئًا بقدر كونه نوعًا من الشركة الاشتراكية العملاقة، التي تعمل وفقًا لمبادئها الخاصة المحمية من نظام السوق وغير الخاضعة للمحاسبة. كيف تستمر في العمل والأداء فعليًا؟ بنفس الطريقة التي تعمل بها عادةً البيروقراطية الاشتراكية. وفي حال ضخ ما يكفي من الأموال والأشخاص الموهوبين النشطين المتحمسين، ستمضي الأمور حتى تنفد الأموال. لا تزال الولايات المتحدة تنفق مالًا على الدفاع أكثر من الدول الثماني التي تليها في الترتيب.. بما في ذلك الصين وروسيا معًا. ما الذي تحصل عليه من هذا الاستثمار الضخم؟ إذا استخدمنا أي مقياس عادي للحكم على أداء وزارة الدفاع بمقارنة مخرجاتها مع مدخلاتها، فسنجد أنه أداء فاشل.

والخبر السار هو أن كارتر كان مصلحًا بالفعل، وحاول بصفته نائب وزير الدفاع أن يضع حلولًا. قريبًا ما سيصبح ماكين رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ. ويبدو أن النائب الجمهوري ماك ثورنبيري، الرئيس المنتخب للجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب، عازمًا على الإصلاح. إن المشكلة ضخمة للغاية، ومع ذلك، هناك الكثير من الأمل لتحقيق ما هو أكبر من مجرد انتصارات صغيرة. سيأتي وزراء الدفاع ويرحلون، ولكن المجمع العسكري الصناعي البرلماني سيظل باقيًا.

(خدمة واشنطن بوست)