Atwasat

الوطن الخراب

منصور بوشناف الخميس 06 يونيو 2024, 04:24 مساء
منصور بوشناف

مسلحون من اللصوص وقطاع الطرق الأوباش وحتى «أولاد الراب» العابثون بكل شيء، حشود من الملتحين يخرجون من المقابر بعد جنازات قتلى ونساء كقطعان الغربان يفاصلن باعة اللحم والحلويات وفساتين السهرة.
أطفال يلعبون الكرة برؤوس رفاقهم.

باعة السلاح والمخدرات يطوفون الشوارع منادين على بضائعهم.

منشدون يصلون على النبي بتسريحات باكستانية أنيقة وسط شوارع أوروبية شديدة النظافة والترتيب على شاشات التلفزيون.

طيارون يجوبون سماء المدن مفتشين عن قتلى لقتلهم بطريقة أنجع وأكثر فعالية

زمارون يطاردهم الملتحون من فم جامع إلى فم آخر

كتب ممنوعة من التداول.

قصائد و«نوفيلات صغيرة» تهرب مذعورة باتجاه البحر

لوحات زيت ومائيات وأبدان تشيللوات وكمنجات ومزاهير تتقاذفها الأمواج وتركلها أحذية قتلة لا يتوقفون عن التكبير والتدمير.

جثث تبحث عن مقابر تأويها

رؤوس رضع.

حلمات الأمهات بأفواه الرؤوس المقطوعة وأجسادهن تتناثر بين مكبات الزبالة وأنياب الذئاب المنفردة

مذيعات تلفزيون يلمع على شفاههن «روج» دماء طازجة وعاجلة.

فرق إعدام سرية تطوف الأحياء والأزقة وتصطاد ضحاياها بحرفية عالية.

ضجيج لا يتوقف من الهتافات والتكبيرات وأغاني الراب والكشك والطبيلة، نقاد فنون وآداب لا يتوقفون عن تمجيد «غرامشي» والمعتزلة والفرقة الناجية.

جواسيس بأزياء متنوعة وأجندات متنوعة، ليبيون يفاخرون بأنهم ليسوا ليبيين وأنهم من الفرقة الناجية من ليبيا.

أسلحة وألعاب أطفال وأدوات مكياج وأطعمة مسرطنة وبدل رسمية وفساتين سهرة وأكفان بيضاء وسوداء وحفارو قبور وفقهاء ومدربو كرة وتنمية بشرية.

حبوب هلوسة ومنشطات جنسية وفتاوى على الهواء بحرمة البترول والدولار وواجب الجهاد في الليبي الآخر، ولا صلح ولا اعتراف بالعدو القبلي.

مدن صارت قبائل وقبائل تتطاول في الخراب، جيوش من المهلوسين والفاشيين والقتلة تجتاح كل شيء، تدمر وتقتل وتسلب الحياة.

تلفزيونات وراديوهات ومواقع تواصل لا تتوقف عن تمجيد الفاتح من فبراير وشتم الفنانات والمتبرجات والساحرات وقارئات الكتب.

رقص الذبائح وسط غبار الرصاص والهتافات والتكبير وأغاني الراب وخطب السياسة وفقهاء العار.

بدو وأهل خرائب يسمونها مدنا، سنة وشيعة، عبدة شيطان وماسونيون، أمم وشعوب وقبائل ولا «أكرم» فيهم عند الله.

تلك هي البلاد التي نعيش فيها، تلك هي الأرض الخراب وهذا هو الجحيم الصناعي الليبي العظيم الذي نرقص فيه رقصة الذبائح.

قتلنا «نيرون» وصار لنا ألف «نيرون».

صار السطو والذبح يومياتنا المعتادة، ولا صوت يعلو فوق صوت السطو والقتل، صار تاريخنا تاريخا للجثث، الجثة وسط ميدان المعركة تدوسها أقدام المتقاتلين، الجثة على المشنقة، الجثة ملقاة بالشارع، الجثة بمكبات الزبالة، الجثة مجهولة الهوية مكبلة وأثر طلقة بالرأس، بقايا جثة مفخخة، إلخ.. من سيرة الجثة الليبية.

على هذا النحو نواصل رقصنا العبثي وسط خرائب البلاد، وعلى هذا النحو يواصل رسامنا المهوس بالخراب رسم لوحته الليبية المرعبة، فأي «وندال» أخذونا أخذ مقتدر؟ وأي قادة قادونا إلى هذا المصير؟ ولماذا، لماذا تخلينا عنا؟