Atwasat

ثنائية الوصول إلى السلطة

خالد العيساوي الثلاثاء 28 مايو 2024, 02:44 مساء
خالد العيساوي

هناك ثنائية شهيرة تسيطر على تفكير الناس عند الحديث عن معايير تولي المناصب، وهي ثنائية (الكفاءة والولاء)، هذه الثنائية تؤرق عادة ذهن صاحب السلطة حين يعمد إلى اختيار شخص ما ليوليه منصِبا ما، فالكفاءة مطلوبة لتسيير الأمور بشكل صحيح، والولاء أيضا مطلوب لضمان عدم خروج هذا الأخير عن طوع سيده، ومن هنا تصبح عملية البحث عن شخص تجتمع فيه هاتان الخصلتان عملية صعبة جدا، ويظل صاحب السلطة يخشى الميل تجاه أحد المعيارين على حساب الآخر، حتى لا تنفلت منه الأمور.

هذه الثنائية تقابلها ثنائية أخرى في السلطة السياسية هي ثنائية (الأهلية والشعبية)، فبعض الطامحين في السلطة السياسية، أفرادا كانوا أم مؤسسات، يعتمدون في الوصول إلى السلطة على معيار (الأهلية)، وهذه الأهلية تكمن في امتلاك (المؤسسات الصلبة) للدولة، أي الأركان الأساسية التي يرتكز عليها أي نظام سياسي، فبدونها لن يكتب لأي حكم الاستمرار، وهذه المؤسسات الصلبة هي: القوة الأمنية، والقوة الاستخباراتية، والقوة المالية، والقوة الإعلامية، يضاف إلى ذلك شبكة العلاقات الخارجية، فالقوة الأمنية يفرض بها صاحب السلطان السياسي سلطانه.

والقوة الاستخباراتية تمكنه من العلم بكل شاردة وواردة في الدولة، والقوة المالية يؤمّن بها احتياجات الناس فلا يثوروا ضده، ويشتري بها ولاءات الفاسدين منهم فيأمن مكرهم، والقوة الإعلامية يسيطر بها على العقول والأفهام، وتبقى شبكة العلاقات الخارجية التي يؤمن بها علاقات جيدة مع الدول الأخرى ويأمن من خلالها أي تحالف دولي ضده، وبذلك تكون خيوط اللعبة الداخلية والخارجية في يده، ويبقى أن امتلاك هذه الأهلية أمر يستوجب عملا دؤوبا طويل الأمد قبل الوصول إلى السلطة.

وبعض الطامحين يعتمدون على معيار (الشعبية) للوصول إلى السلطة السياسية، ويكون ذلك بالاهتمام (بالمؤسسات الهشة) بدل (المؤسسات الصلبة)، هذه المؤسسات الهشة تكمن في الاستحواذ على الرأي العام من خلال شرائح المجتمع المختلفة، بمعنى دغدغة الشعور الجمعي بما تتطلع إليه كل فئة من فئات المجتمع بغية الحصول على تأييد شعبي كبير، فتتم مخاطبة المرأة من خلال رغباتها.

، وتتم مخاطبة الشباب من خلال تطلعاتهم، وتتم مخاطبة فئة المتقاعدين من خلال احتياجاتهم، وهكذا مع كل فئة من فئات المجتمع، خاصة بعد توفر وسائل التواصل للجميع، فيحدث أن يتحصل الطامح في الوصول إلى السلطة السياسية على (شعبية) كبيرة ترتقي به بسرعة البرق ليتربع على كرسي السلطة، لكنه ارتقاء يعقبه سقوط… إن الصعود إلى قمة السلطة عبر طريق (الأهلية) صعود صعب لكن السقوط معه صعب أيضا، وإن الصعود إلى قمة السلطة عبر طريق (الشعبية) صعود سهل لكن السقوط معه سهل أيضا، وعلى الصاعد أن يتبين غايته قبل وسيلته.

هذا من ناحية الطامحين للوصول إلى السلطة السياسية، أما من ناحية الناخبين فالمشكلة تبرز معهم حين لا يمتلكون رؤية واضحة يمنحون من خلالها الشرعية السياسية لهذا المترشح أو ذاك، فتراهم يتخبطون في اختياراتهم بين معيار (الأهلية) القائم على امتلاك المترشح الإمكاناتِ اللازمةً للحكم، ومعيار (الشعبية) القائم على الدعاية المزيفة الجوفاء، وغالبا ما يختار الشعب حاكمه تحت وطأة هذا المعيار الأخير، وذلك بسبب انخداعه بشعارات براقة ودعايات خداعة، لكنه لا يلبث أن يفيق من سباته، وينتبه من غفوته، فيثور ضد أصحاب السلطة السياسية بعد أن يتيقن من خداعهم وجهلهم، هذا يحدث في المجتمعات الحية طبعا، ولسنا نتحدث عمن قال فيهم الشاعر:

ليس من مات فاستراح بميّتٍ إنما الميّتُ ميّتُ الأحياءِ

وأخيرا فلا مناص في رأينا من الجمع بين المعيارين لمن أراد وصولا آمنا للسلطة وبقاء طويلا فيها، فالوصول إلى السلطة السياسية يتطلب إنفاق وقت طويل في التهيئة له، من خلال بناء مؤسسات صلبة للدولة، وشغلها بأصحاب الكفاءة والأهلية، ثم الالتفات بعد ذلك إلى مبدأ الشعبية، من خلال إقناع الجماهير بمتانة هذا البناء، وجدارة أصحابه بالزعامة.

واستحقاقهم للرئاسة والإمامة، وهكذا يجتمع للطامح في الوصول إلى السلطة السياسية الأمران: (الأهلية والشعبية)، فيصل إلى مبتغاه بعد صبر ولأي، لكن وصوله وصول يعقبه استقرار، وليس وصولا يعقبه رحيل، ما عدا ذلك فجنوح إلى أحد الاتجاهين على حساب الآخر، كالطائر الذي يطير بجناح ويعطل جناحا، يوشك بعد وقت قصير أن يسقط، ليرقب الناس سقوطه قائلين: ما طار طير وارتفع، إلا كما طار وقع.