Atwasat

أيهما أذكى الكلب أم الإنسان؟

عمر الكدي الإثنين 27 مايو 2024, 08:38 مساء
عمر الكدي

بعد أن نزل من الشجرة بالآف السنين، وهو يجوب سهول السافانا في شرق أفريقيا، ويلجأ إلى الكهوف التي لا تستطيع الحيوانات المفترسة الوصول إليها، وبعد اكتشافه طريقة إشعال النار، وتمكنه من تسليح نفسه بأسلحة مصنوعة من حجر الصوان؛ اكتشف جدنا الأول ذات ليلة حيوانا يقترب من كهفه كان يخشاه أشد الخشية. إنه ذئبة تشبه بقية الذئاب، ولكنها لم تكشر عن أنيابها، وإنما أقعت ووضعت رأسها على الأرض علامة الخضوع. حاول طردها بصرخات هستيرية ولكنها لم تنصرف.

في الصباح، رافقته إلى رحلة الصيد وساعدته في محاصرة الطريدة، واكتشف أنه بمساعدتها استغرق الصيد وقتا أقصر وجرى بسهولة أكثر. عادت معه إلى الكهف وبقيت خارجه، واكتفت بما ألقى إليها من عظام، وذات ليلة أخذت تعوي فأيقظته من نومه، فاكتشف أن حيوانا مفترسا يقترب من كهفه، فأجج النيران أمام الكهف ووقف حاملا سلاحه فابتعد الحيوان المفترس، ومنذ تلك الليلة أدرك أنه أصبح لديه جهاز إنذار وأخذ يتودد للذئبة حتى تمكن من ملامستها ومداعبة رأسها، واطمأن إلى أنها كانت مسرورة وهي تهز ذيلها، وذات يوم وضعت عددا من الجراء ومن تلك الجراء جاءت كل الكلاب التي رافقت رحلة الإنسان الطويلة.

عن طريق التهجين ظهرت أنواع كثيرة من الكلاب، وكل نوع تخصص في أحد المجالات، فثمة كلاب تعمل اليوم مع الشرطة، ولا يمكن الاستغناء عنها في كل المنافذ الحدودية، وثمة كلاب تعمل مع الدفاع المدني وفرق الإغاثة، وثمة من يعمل مع القوات المسلحة، وثمة من يهتم بالأطفال، وكلاب مدربة على مساعدة المعاقين، واستخدمت الكلاب القطبية في جرّ الزلاجات على الجليد، حيث يمكنها الجري لمسافة 100 كم دون راحة، واستعان البدو العرب بالكلب السلوقي في رحلات صيدهم.

في عصر الزراعة سمح الإنسان للقط بدخول بيته، نظرا لقدرته على صيد الجرذان والقوارض التي تسطو على حبوبه في المخزن، وسرعان ما لاحظ أن القط يختلف عن الكلب، فالقط نرجسي وأناني عكس الكلب، الذي يتوقف عن الأكل إذا سمع أحدا يقترب من البيت، ويسرع ليعرف من القادم، وهذا ما لا يفعله القط. الكلب ينتظر في صبر حتى يوضع أمامه الأكل، أما القط فيتمسح بالإنسان إذا كان جائعا، وبعد أن يأكل ينصرف ليفلي فروه ويتجاهل الإنسان حتى لو دعاه، كما أن شيئا من التوحش لا يزال في القط؛ فهو لن يتردد في استخدام مخالبه حتى أثناء اللعب، ولا تتردد القطة في أكل أطفالها إذا شعرت أن منافسا آخر سيأكلهم، وهو أبدا ما لا يفعله الكلب.

انتهت العداوة التاريخية بين الطرفين وينامان اليوم في سرير واحد. فالكلب من فصيلة الكلبيات التي تشمل الذئاب والثعالب وبنات آوى، أما القط فينتمي لفصيلة السنوريات وظهر قبل الإنسان العاقل بملايين السنين، كما تشمل السنوريات القطط الكبيرة مثل الأسد والنمر والفهد، ويبدو أن قرب هذين الحيوانين من الإنسان جعله يحابيهما فيطلق اسمهما على أطفاله، ومن ناحية أخرى يظهر نفاق وخسة الإنسان بوضوح، عندما يشتم إنسانا آخر فيقول له «يا ابن الكلب»، بينما يفتخر إذا شبهه أحد بالأسد.

اليوم يعيش في بيوت العالم 400 مليون كلب، تحظى برعاية كاملة تشمل الرعاية الصحية، ولها بطاقات هوية وجوازات سفر، بينما توشك الذئاب على الانقراض.

ترى أيهما أذكى.. الكلب أم الإنسان. الإنسان رفض أن تقترب منه تلك الذئبة التي انشقت عن قطيعها، بسبب التراتبية الحادة في مجتمع الذئاب حيث يأكل من الفريسة أولا أقوى الذكور والأنثى المسيطرة، ثم يسمح لبقية القطيع بالأكل وفقا لرتبة كل واحد، ويبدو أن الذئبة التي انشقت عن قطيعها لم تنل ما يكفي من طعام، فانتبهت لهذا المخلوق الذكي الذي بعد أن نزل من الشجرة وصنع سلاحه وامتلك القدرة على إشعال النار، حدست تلك الذئبة أنه سيصبح المسيطر على الكوكب، وهكذا قررت الرهان عليه وقدمت له كل صور الوفاء، وبعد آلاف السنين ها هو نسلها مرفه حتى أنه يحمل اسما ورقما وطنيا، وفي هولندا تشكل الحزب من أجل الحيوانات، الذي لا يهتم إذا فنيت نصف البشرية، ولكنه يقلب الدنيا رأسا على عقب إذا دهست سيارة حيوانا حتى ولو كان ضاريا. صحيح هناك ملايين الكلاب والقطط لا تزال مشردة في الشوارع، ومربوطة بالسلاسل في القرى، ولكن حالها سيصبح أفضل كلما تقدم أصحابها، ويمكن معرفة درجة تطور أي شعب من خلال وضع كلابه، ففي هولندا يستحيل أن تجد كلبا مشردا، ولكنك تجد الكثير من الناس مشردين.

أيهما الأذكي.. الإنسان أم الكلب؟ ترى لو وقف الكلب منتصبا وحرر يديه وامتلك القدرة على الكلام، بحيث يستطيع السيطرة على العالم، أليس من الممكن أن يصبح العالم أفضل بفضل أخلاق الكلب التي لا تتغير مهما كانت المغريات، فالكلب وفي لصاحبه سواء كان ملكا أو متسولا مشردا، وهو ما لا نلاحظه عند الإنسان.

من ناحية أخرى فوجود الذئب مهم للراعي وللكلب لترويض القطيع، يمضي الكلب الليل وهو ينبح على كل شيء، وحتى عندما ينام تلتقط أذناه أدنى صوت يتحرك حتى من بعيد، وحتى في غياب الراعي يمتثل القطيع لأوامر الكلب، وفي نهاية النهار يعود القطيع وراء الكلب إلى حظيرته، متنازلا عن حريته مقابل العلف والأمان.

أليس هذا ما يحدث في مجتمعات البشر؟ دائما يحذر الحاكم من عدو ما. الإمبريالية والاستعمار والرجعية والزنادقة والحركات الهدامة والطابور الخامس، فكل الانقلابات العسكرية التي شهدتها الدول العربية كان مبررها الوحيد هو تحرير فلسطين، واليوم لا يجرؤ أي نظام عربي على رفع دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، بينما رفعت جنوب أفريقيا الدعوى، والتي يفصلها عن فلسطين آلاف الكيلومترات، بينما تتسابق الدول العربية للتطبيع مع الذئب، والكلاب تنبح في وسائل الإعلام لتبرير ما يفعله الراعي، والذي لا ينصاع يُلقى به في السجن أو يهرب من البلاد، فيُوصم بأنه كلب ضال، فالكلب الوفي ينبح ذودًا عن حرمة الديار.