Atwasat

«التطبيع المضاد» وإنقاذ «إسرائيل»

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 26 مايو 2024, 12:33 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

في الوقت الذي يتبارى فيه عدد من الدول العربية، جهرا أو سرا، من أجل «التطبيع» مع الكيان الصهيوني، شرعت بعض الدول الأوروبية في حركة «تطبيع مضاد»* مع الفلسطينيين من خلال اعترافها بالدولة الفلسطينية.

«التطبيع» الأول تطبيع مع كيان استعماري عنصري مُنصب من قِبل دول الاستعمار الغربي الإمبريالي، أي أنه تطبيع مع «كيان» غير طبيعي. في حين أن التطبيع الثاني، الذي وصفناه بـ«المضاد»، هو تطبيع مع وجود طبيعي، هو الشعب الفلسطيني، الذي من حقه أن يقرر مصيره على أرضه.

اعتراف بعض الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية يأتي في إطار «حل الدولتين» الذي نرى أنه محكوم عليه بالفشل والإخفاق الذريع، ولن تقبل به دولة الكيان الصهيوني، لأنه يدفن المشروع الصهيوني في تحقيق الحلم بدولة يهودية صهيونية تمتد حدودها من البحر إلى النهر. كما لن يرضى به الشعب الفلسطيني، لأنه يقتطع جزءا كبيرا من أرض وجوده التاريخي ومن سيادته.

يُطرح، منذ انطلاقة عملية «طوفان الأقصى» وبداية العدوان الصهيوني الضاري الوحشي على الشعب الفلسطيني في غزة، في الدوائر الاستعمارية الإمبريالية الغربية سؤال مؤداه: كيف سيكون وضع قطاع غزة غداة الحرب؟
لكنني أرى أن اعتراف بعض الدول الأوربية بالدولة الفلسطينية يأتي في إطار معالجة سؤال آخر مضمر هو: كيف سيكون وضع «إسرائيل» اليوم التالي للحرب؟

وأعتقد أن هناك إدراكا من بعض الدوائر السياسية الحاكمة في أوروبا بأن استمرار الحرب على هذا المنوال، الذي تتكبد فيه «إسرائيل» أفدح الخسائر عبر تاريخها في العسكريين والعتاد والاقتصاد، إضافةً إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والهجرة المعاكسة، وتنامي السخط العالمي ضدها، وازدياد عزلتها الدولية، كل ذلك سيؤدي إلى تفكك الكيان الصهيوني، وزواله ككيان.

لذا، فإن موجة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، التي ابتدأت بثلاث دول، تأتي بدافع إنقاذ «إسرائيل» من هذا المصير، واكتفائها بحدود ما قبل 1967.

صحيح أن هذا الاعتراف يشكل تطورا مهما وإيجابيا في مسار القضية الفلسطينية (التي تعد القضية الوحيدة التي ظلت تشغل السياسة الدولية والرأي العام العالمي لمدة 76 سنة)، لكنه، بالمقابل، يقترح عملية «مصالحة» بين المغتصب والضحية، واقتسام ما هو ملك تاريخي للضحية.

* لتبين التباسات مصطلح «التطبيع» ومغالطاته، يُنظر عمر أبو القاسم الككلي، التطبيع والتضليل:
https://alwasat.ly/news/opinions/349120?author=1