Atwasat

مقدّمات الحرب «الدينية» في فلسطين!

سالم الهنداوي الخميس 18 أبريل 2024, 02:34 مساء
سالم الهنداوي

ستة أشهر مضت على انتصار «7 أكتوبر» ولم تتوقّف آلة الحرب الصهيونية «الأميركية الإسرائيلية» الكاسحة على قطاع غزّة وقد أبادت وطحنت كل كائنٍ، بشراً وطيراً وحيواناً وحجراً وشجراً، بيوتاً وخياماً ومشافي وكنائس ومساجد، ولم تحقّق نصراً واحداً على نصر أكتوبر المجيد، بل أفقدت الأمل بتسوية «الرهائن» وبنهاية ممكنة لحرب بدأت ويبدو أنها لن تنتهي عند غزّة.

على الرغم من ضعف الموقف العربي من حرب الإبادة الوحشية، بل وتخاذله، إلّا أنّ الرأي العام العربي والعالمي كان الرصيد الأهم وهو يتصدّر الغضب الإنساني العارم من الجريمة الصهيونية النكراء، مناصراً الشعب الفلسطيني وأهل غزّة الأبية، ويعي تماماً حقائق التزوير الإعلامي التي سوّقها الكيان الهمجي، بل وكشف عن مزيد الحقائق لعنصرية الصهاينة ودمويتهم منذ اغتصابهم أرض فلسطين، مّا أسقط على الملأ كل الروايات «الإسرائيلية» المضلّلة منذ النكبة إلى حرب الإبادة على غزّة.. فكانت شعوب العالم بأسره السند المعنوي الداعم للمقاومة وحق الفلسطينيين في استرجاع أرضهم المُغتصبة.

لا شك أن تصدّر حركات «المقاومة الإسلامية» في فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن، بدعم إيراني كبير، قد أضعف العمل القومي العربي بنهاية زعامات القومية العربية في مصر وسورية والعراق واليمن وليبيا والجزائر والسودان بلاءاتها الثلاثة، الأمر الذي قد يحيل الصراع من مضمونه القومي العربي، من «قضية عربية» في مواجهة «الصهيونية» إلى «قضية دينية» في مواجهة «اليهودية» تأسيساً على المُعتقدات الدينية ونزوع التطرُّف الديني، مّا يجعل الصراع أكثر احتداماً في المستقبل القريب بنشوب «حروب دينية» لا شكّ ستكون معقّدة وشائكة في ظل أيديولوجيات وكيانات عِرقية مُختلفة، وضعف مواقف دُعاة السلام في المنطقة والعالم، من يهود ومسيحيين ومسلمين. فالأنظمة العربية التي كانت اختارت قديماً الحرب ضد «إسرائيل» لم يعُد لها وجود، ولم يُعد اختيار الحرب، للأنظمة الراهنة، حلاً للقضية الفلسطينية، بل ولا تملك حتى الإرادة بالضغط الدولي لفرض حل الدولتين.. لكن «المقاومة الإسلامية» لا قرار سياسيا لها سوى إعلان «الجهاد» جهاراً دون اعتبارات لمواقف دولية ولا حسابات سياسية، وإن كانت مدعومة بإرادات إقليمية ترى في سلاح المقاومة اللغة الوحيدة على الأرض لاستعادة الأرض بعيداً عن لغة التفاوض والسياسة التي أخسرت الأرض والقيم والإنسان في جولات سلام تاريخية طويلة، من واشنطن إلى كامب ديفيد إلى أوسلو إلى مدريد، بكل مواثيق معاهداتها الموقّعة بحبر «الاستسلام»!

في فترات العمل الفدائي «العربي الفلسطيني» ضد المصالح «الإسرائيلية» في العالم كانت «تل أبيب» ترتعب وهي تحصي خسائرها البشرية والاقتصادية في العالم، في وقت توفّرت كامل الحماية الأمنية لسفاراتها ودبلوماسييها وتحرُّكات أعضاء موسادها في أنحاء العالم، وتحسب ألف حساب لأي تواجد فلسطيني وعربي في مناطق نشاطها، وأحداث السبعينيات والثمانينيات في ميونيخ وعنتيبي وقبرص شاهدة على ذلك، فيما الردّ الإسرائيلي كان محدوداً في عمليات دقيقة للموساد استهدفت رموز حركة النضال الفلسطيني من قادة ميدانيين وسياسيين ومثقفين، كاغتيال كمال عدوان وكمال ناصر وأبويوسف النجّار في بيروت العام 1973، واغتيال خليل الوزير «أبوجهاد» في تونس العام 1988..

في تلك الفترة من «النضال العربي» ضد «إسرائيل»، وبدعم جبهة الصمود العربية، كانت منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح في قمّة عطائهما الفدائي والسياسي في أنحاء العالم حتى توقيع «أوسلو» الذي اغتال السلام الحقيقي كما اغتال عرفات نفسه، ليكون الشيخ «أحمد ياسين» آخر الناصحين لعرفات في مشفاه في عمّان العام 1997، وكان الموساد قد استهدف في العام ذاته «خالد مشعل» رئيس الدائرة السياسية لحركة «حماس» على رصيف مشاة وسط عمّان.. وقتها تحديداً كانت أعلام «إسرائيل» ترفرف على سفاراتها ومكاتب ارتباطها في القاهرة وعمّان وتونس والرباط ونواكشوط!

في مارس العام 2004 اغتالت إسرائيل الشيخ الكسيح «أحمد ياسين» مؤسس حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في غزّة وهو عائد من صلاة الفجر بمقعده المتحرِّك، وفي نوفمبر من ذات العام مات ياسر عرفات مسموماً بعد حصاره الطويل في مكتبه في رام الله ومواجهات مسلّحة سقط فيها العديد من حُرّاسه ليسقط معهم اتفاق أوسلو بخروقاته، وليظلّ بعدها «صائب عريقات» كبير المفاوضين بلا مفاوضات في عهد الرئيس «محمود عبّاس» الذي كسب الضفّة وخسر القطاع مع خسارات سياسية متوالية للسلطة في عهدي شارون ونتنياهو اللذين كانا في حلٍّ من تعهّدات يهودا باراك شريك السلام الأخير بعد شمعون بيريز الذي كاد يلقى ذات مصير سلفه إسحاق رابين داخل إسرائيل على يد اليمين المتطرِّف.

بالنظر إلى المتطرّفين الدينيين والسياسيين في إسرائيل، والمتطرفين الدينيين والسياسيين في فلسطين ودول الطوق بحركاتها الإسلامية الجهادية، شيعية وسنّية، سيكون التأويل جازماً هذه المرة لتنامي حالة العداء الديني بين «اليهود والمسلمين» في وجهات الصراع الذي طال أمده، فبينما الجيوش العربية قابعة في ثكناتها تؤتمر بقرارات قادتها السياسيين، فإن المقاومة «الإسلامية» تندفع للجهاد طواعية وبهبة الروح في سبيل النصر، وهي العقيدة الجهادية الفارقة بين المسلمين وأبناء الديانات الأخرى، وهُنا الخطر الحقيقي القادم في فلسطين والمنطقة مالم ينتبه العالم إلى هذه الحقيقة المُرعبة التي تأتي نتيجة تهوُّر حكومات اليمين المتطرِّف في إسرائيل وضعف القرار السياسي العربي.. وستكون حرب الإبادة العرقية في غزّة هي المنصّة الجهادية لانطلاق المقاومة والزحف الإسلامي لتحرير كامل أرض فلسطين.. فإذا كانت الجيوش العربية مُجرّد أرقام في ثكنات بين مدافع صامتة وطائرات رابضة، فإن شعوب الأمة الإسلامية أرواحٌ لنداء القدس والثأر لغزّة الصمود..

وهذه الحرب، إذا ما اشتعلت، ستطال نيرانها أنحاء العالم بدياناته وأيديولوجياته، بسياساته واقتصاداته، وستكون منفلتة بلا قوانين تحكمها ولا قوّة تردعها، فاحذروا توقيتها على الأرض التي أهملها الساسة شهوراً تحترق عنوة تحت نعال الصهيونية، لتكون السبب في اشتعال «حرب دينية» واسعة النطاق لا تُحمد عُقباها، وهي نهاية الحروب العالمية التي بدأت سياسية لتنتهي دينية!
الخلاصة:
لتنم الأنظمة العربية وتمت غير مأسوفٍ عليها، فأمّة الإسلام باقية، وصلاح الدين لم يمُت!