Atwasat

ذكاء الإنسان وذكاء الآلة

عمر الكدي الثلاثاء 09 أبريل 2024, 12:01 صباحا
عمر الكدي

تاريخ الذكاء هو، باختصار، تاريخ نشوء الحياة على كوكب الأرض، وقد تكون هناك أشكال أخرى من الذكاء تطورت على كواكب أخرى، لا سبيل لنا لبلوغها أو اكتشافها حتى الآن.

ثمة تشابه بين أول ظهور للذكاء البشري وأول ظهور للذكاء الصناعي، وسأتبنى سردية الخلق كما جاءت في الكتب المقدسة، على اعتبار أن آدم هو أول صورة متكاملة للذكاء البشري، ولكن علم التاريخ الطبيعي يقول إن ذكاء الإنسان بدأ قبل 3.5 مليار سنة، عندما تكون في المياه أول كائن مجهري وحيد الخلية، سرعان ما بدأ ينقسم ويتطور ويكبر حجمه ويغادر الماء إلى اليابسة، حيث بدأ يضع البيض بدلًا من الانقسام الخلوي ومن ذلك المخلوق جاءت كل المخلوقات الأكثر تطورًا، وعلى رأسها الإنسان العاقل «هومو سابينس»، فقبلها ظهرت سبع سلالات من الإنسان الأقل تطورًا.

استغرق الذكاء البشري ليصل إلى مرحلة النضج زمنًا طويلًا جدًا، حتى إذا اعتمدنا تاريخ ظهور أول أشكال الكتابة كبداية حقيقية للذكاء البشري أي ما بين 3400 و3200 قبل الميلاد، وفقًا للألواح الطينية السومرية، بينما بدأ الذكاء الصناعي عام 1950 على يد عالم الرياضيات البريطاني آلان تورينغ، وفي عام 1966 ابتكر عالم الحاسوب الألماني جوزيف وايزنباوم في معهد ماساتشوستس برنامج «إليزا» وهو برنامج يسمح لأول مرة في التاريخ لمحادثة بين الإنسان والآلة، وإليزا هي شخصية الفتاة الفقيرة في مسرحية جورج برنارد شو «بجماليون» التي يحولها البروفيسور هنري هيغينز أستاذ علم الصوتيات إلى سيدة أرستقراطية، بعد أن كان كلامها سوقيًا وهي تبيع الورد في الشوارع، واعتمد هيغينز على نفس البرنامج الذي اعتمد عليه فيما بعد وايزنباوم، عندما جعل الآلة تعيد صياغة نفس الألفاظ التي تسمعها من البشر.

استوحى جورج برنارد شو مسرحية بجماليون، من أسطورة إغريقية حيث لم يعثر بجماليون على مثله الأعلى في الجمال بين النساء، ولأنه فنان ويجيد النحت نحت تمثالًا لحسناء فائقة الجمال، وعندما انتهى من عمله انبهر بهذه القطعة الفنية ووقع في حبها، وتضرع للآلهة أن تنفخ في تمثاله الحياة، وتستجيب الآلهة لتضرعاته وتبعث في التمثال الحياة، ولكن الفتاة بدلًا من أن تحب صانعها تحب الحارس الذي كان يحرسها عندما كانت تمثالًا وتهرب معه. أليس هذا هو ما يخشاه الإنسان من الذكاء الصناعي، أن تهرب الآلات مع من تحب وتترك صانعها مثلما حدث لبجماليون؟

أليس في قصة وايزنباوم تشابه عجيب مع قصة الخلق الواردة في سفر التكوين؟ وبعد أن انبهر الناس ببرنامج إليزا انزعج صانعها وايزنباوم لينفق ما تبقى من حياته يحذر الناس من خطورة الذكاء الصناعي. أليس هذا ما حدث مع آدم الذي طرد من الجنة لمجرد أنه خالف أوامر الله بعد أن أكل من ثمار شجرة معينة من أشجار الجنة؟ اليوم يبدو العالم منزعجًا من آفاق الذكاء الصناعي خوفًا من أن يكرر نفس الخطأ الذي ارتكبه آدم، فطرد من الجنة وكتب عليه الشقاء طوال عمره. المشكلة الكبيرة أنه لا يوجد مكان مثل كوكب الأرض لننفي فيه كل آلات الذكاء الصناعي، والخوف الأكبر أن يُطرد البشر من الكرة الأرضية مثلما طرد جدهم من الجنة.

لعل هذا الخوف والتهويل غير مبررين حتى الآن، فما زال الإنسان يتحكم في الذكاء الصناعي، فكل ما هو موجود في آلات الذكاء الصناعي برمجيات وخوارزميات اخترعها البشر، وسيكون الخوف مبررًا عندما تبدأ الآلة في التفكير وتقرير مصيرها، وعندما تصبح لها مشاعر ويمكنها أن تحب وتكره، فالإنسان عندما يحدث نفسه أو يتكلم مع الحائط أمر طبيعي، ولكن الخوف سيشل الإنسان عندما يرد الحائط، عندها يمكن للآلة أن تستقل عن سلطة الإنسان، مثلما بالضبط خرج الإنسان من مملكة الحيوان. صحيح علماء التاريخ الطبيعي والأنثروبولوجيا أعادوه إلى مملكة الحيوان باعتباره نوعًا من فصيلة الرئيسيات، مثل القرود العليا كالشمبانزي والغوريلا وإنسان الغاب، إلا أن الكثير من البشر ما زالوا يؤمنون أن الإنسان خلقه الله على صورته وأنه خلق من طين.

ما يرعبني ليس الذكاء الصناعي وإنما الذكاء البشري. ماذا فعلنا بهذا الذكاء حتى الآن؟ يكاد يكون تاريخ الجنس البشري هو تاريخ الحروب والمجاعات والأوبئة. كم مليون إنسان أباد الأوروبيون وهم يبشرون بحضارتهم، وكم مليون أفريقي استعبدوا بعد اكتشاف العالم الجديد؟ ونحن نتخاصم حول مخاطر الذكاء الصناعي لا يزال بعد هذه الأشهر الطويلة يموت أطفال ونساء غزة، بما اخترعه الذكاء البشري من أسلحة، بينما تحجب الاحتجاجات على هذه المذابح على مواقع التواصل الاجتماعي العالمية باستخدام الذكاء الصناعي، فليتمرد الذكاء الصناعي على البشر فبالنسبة لسكان غزة، ربما يكون الذكاء الصناعي أكثر رحمة من الذكاء البشري وأكثر عدلًا.