Atwasat

متى تكون الحرب القادمة؟

أحمد الفيتوري الثلاثاء 02 أبريل 2024, 04:41 مساء
أحمد الفيتوري

• حقائق الحروب كمعنى للوجود!
جو بايدن وأتباعه مشغولون بـ«ما بعد حربهم على فلسطينيي غزة؟»، فالمسألة بالنسبة لهم ما بعد حرب الإبادة التي خاضوها، ليست مسألة السلام، بل كيف يستفيدون من نتائج الحرب بأقصى حد. فإسرائيل تريد، إن استطاعت، التخلص ممن تبقي من الفلسطينيين في غزة ثم في الضفة، أما «جو» صاحب الحرب فمراده أن ينجح في الانتخابات من خلال استعادة أميركا كشرطي للعالم، فيما أتباعه في العالم وفي المنطقة كل يبتغي تقوية نفوذه واستثمار مصالحه، فلا فرق نوعيًّا في هذا عند بريطانيا وألمانيا أو الصين وروسيا أو السعودية والمغرب فما بالك بالجيران؟

إذًا هناك إجماع حول توظيف ما بعد الحرب، وليس ثمة في جعبة أحد أي مشروع سلام، غير الترديد الببغائي عن حلّ الدولتين السرابي. وهذا الإجماع متأتٍّ من الدور الذي تلعبه دولة الحرب/ إسرائيل في العالم، التي من مهامها الرئيسة زعزعة المنطقة، ما هي حتى الساعة القلب الجيو سياسي للعالم، وقد رأينا كيف نسي ذاك العالم مشاكله وقضاياه وانغمس في غزة، حيث ينحشر أكبر عدد من البشر في أقل مساحة في الكرة الأرضية. وقد كان ذا الانغماس ما يمثل مقياس حرارة العالم، فالأمم المتحدة برئاسة الولايات المتحدة صانعة وراعية لهذا الكيان ما هويته الحرب، حيث وجوده في خطر دائم عنده وعند رعاته أو هذا ما يجب، وأن هذا الكيان مسه كما مس لمقدس الحداثة وحقوق الإنسان والسلم العالمي/ عداء السامية، ومن هذا فإن حروبه من لزوم ما يلزم، كما أن أنيابه النووية هي أنياب الضرورة الإنسانية، للحفاظ على كيان البشرية وصيرورتها!!!

هكذا تبدو حروب إسرائيل حروب الضرورة، للمحافظة على مكاسب الحرب الأوروبية الكبرى الثانية، ولأن إسرائيل كما صرح «جو» المتراس المتقدم، الذي لو لم يكن لكان من الضرورة أن يكون. من هذا فحرب «غزة» تبيحها تلك الضرورة، ما نتائجها للدولة الكبرى/ العم سام كما بروفة أو تجربة نووية، إذا هي كما فاتحة أي قياس على المنوال لأية حرب على الطاولة. إن إسرائيل تبيح المحظورات، فتبين أن الحروب عند الولايات المتحدة كما «هيروشيما»، لهذا ما حصل في «غزة» ليس كما في «أوكرانيا»، التي يهدد «بوتين» بتحويلها إلى حرب ثالثة نووية!، فـ«جو» لم يهدد حين جاء إلى القدس في أكتوبر 2023م عقب «طوفان الأقصى»، بل نفذ إرادته، وبين على الأرض أيديولوجيا الحرب/ كحرب إبادة، عند الولايات المتحدة الراعية للدولة الصهيونية.

• دولة الجيش والحرب!
أكثر من سبعين سنة خلون وبُعيد الحرب الكبرى، تخلصت أوروبا من مشكلة مزمنة عُرفت بالمسألة اليهودية، فتم تهجير مواطنين أوروبيين بدواعٍ دينية، وتحت غطاء أسطوري، تم تأسيس دولة إسرائيل في المنطقة العربية، وبقوة الغرب هُجر الفلسطينيون إلى الشتات، أو فُصلوا بأسوار القرون الوسطى. هذه الحقيقة الأساس خلخلت الأمن في الشرق الأوسط، فلأجل الحفاظ على الجيتو الذي حُول له المواطنون الأوروبيون اليهود، أقيمت قلعة أمنية مدججة بالسلاح وأنيابها نووية. وتأسيسًا على هذه الخلخلة في بنية الشرق الأوسط الجيو تاريخية، غدت المنطقة تعيش على بركان حرب مشتعلة أو مضمرة. لقد اضطرت دولة الجيتو الدينية إلى أن تكون إسبارطة العصر الحديث، فمنذ يوم إعلانها كدولة في إضبارات ومنابر الأمم المتحدة وحتى الساعة، تخوض المعارك الحربية المعلنة والسرية. وكل يوم يمر على هذه الدولة، تتطور فيه بنيتها في منحى ذي بعد واحد، يتسم بالانغلاق فالتمترس المتعصب، ومن ثم حشد كل المقومات التي يمكن توفرها للدولة الجيش.

حقيقة هذه الدولة تجلت في الواقع، في الحروب العلنية الشهيرة 1948، و56، و67، و73، و82، ثم عامي2003 و2006م، وفي معارك لا حصر لها. وعليه عاش العرب والعجم من أثر هذه الحروب، ولدواعٍ أخرى داخلية، في حروب بين دولهم، وفي حروب أهلية لم تنته بعد. وكذا كان الشرق الأوسط خلال السبعين سنة تلك، في نزاعات وصراعات إقليمية، على النفوذ ومن أجل المصالح المتباينة، واتخذ هذا الاصطراع سُترًا إثنية وطائفية ودينية، وكان ذلك دائمًا في إطار دولي وتدخل إمبريالي، خاصة من بريطانيا العظمى ووريثتها الولايات المتحدة.

أما ما هو مسكوت عنه، أو جاء في صيغة العداء لهذه الدولة، فهو الحروب السرية التي تتمثل في تدخل إسرائيل، في الدول العربية والإقليم وكل من تعدهم من أعدائها، وهي حروب يومية، بل إنها أكسجين وجود هذه الدولة الجيش. ولقد تأسست عن وجود إسرائيل معطيات موضوعية في المنطقة، الجيو سياسي منها والأيديولوجي، فبزوغ منظمات مسلحة وما شابه، وحتى مبررات وجود لنظم سياسية. لقد اتخذ من عدوان إسرائيل وحروبها حجة للقمع والعسف في الكثير من الدول العربية والمنطقة، وكانت ولا شك الحافز الرئيس لظهورِ فهيمنةِ البعث الديني والقومي، وخاصة التطرف عند كليهما.

وحتى إن الجامعة العربية، التي تأسست قبيل إعلان دولة المهجرين اليهود في فلسطين، قد تحولت خاصة على مستوى قممها كما جامعة لدراسة العدوان الصهيوني! ومثلها المؤتمر الإسلامي وما شابه ذلك.
ومن هذا وذاك ما بعد غزوة غزة، ما لا مثيل لها، الغرق في نتائج طوفان الأقصى، وإن الخروج من هكذا حرب ليس كما سبق، فإن الخروج منها عبارة عن الدخول في حروب ضروس، تختلف في الدرجة فتتنوع، ثم تكون حروبًا في كل مجال، في كل زمان ومكان. فما هو قادم أعظم من حروب أفغانستان، حروب العراق، حروب الربيع العربي، وكل ما شابه، التي بينت أن الخطر ليس في موسكو أو واشنطن، حيث ثمة رادع ما، لكن الخطر الأكبر غير المحسوس في الحجر المنسي، حجر الأساس المستبعد، حيث النزف يزداد ولا يتوقف في بلدان حتى الآن خارطتها وتضاريسها لا ولا ثم لا، معاضدتها ودعمها ينمو ويتطور عند شعوب العالم خاصة في أوروبا وأمريكا.