Atwasat

معمر القذافي بين الضرورة والمصادفة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 31 مارس 2024, 04:35 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

في سلسلة مقالاته «تشريح القنفذ» نشر عمر الكدي مقالاً بعنوان «ضرورة القذافي»* أثار فيه سؤالاً إشكالياً وهو:

«هل كان القذافي ضروريًّا ليظهر في ليبيا مثلما ظهر صدام حسين في العراق؟ وعلي عبدالله صالح في اليمن وحافظ الأسد في سورية؟ ففي العراق لقب صدام حسين بالقائد الضرورة، فهل كان قائد مثل القذافي ضروريًّا لليبيا؟».

ويعلل نجاح القذافي في البقاء على قمة السلطة بعامل اكتشاف «النفط قبل وصول القذافي بسنوات قليلة».

الحقيقة أن هذا السؤال (أو فلنقل التساؤل) يخرج بنا من سياق السياسة ليدخلنا مجال الفلسفة، وتحديداً أصول العلم Epistemology**، يدخلنا إلى المبحث المتعلق بالضرورة والمصادفة.

إذ لا يمكننا القول، علمياً، أن حدثاً ما كان ضرورياً إلا بعد تحقق هذا الحدث تحققاً كاملاً. قبل هذا التحقق يكون المسار مفتوحاً على عدة احتمالات بسبب تفاعل مجموعة من العوامل يؤدي تفاعلها، في النهاية، إلى غلبة احتمال ما وتحققه.

بعد تحقق هذا الحدث نقول أنه توفرت له العوامل الرئيسية (الضرورية) والثانوية (الصدفوية أو الاتفاقية) التي مكنته من أن يكون ضرورة. فالضرورة هنا «مخاض» وليست «غاية» ماثلة في مسار الحدث يتجه نحوها منذ البداية.

ففي مثال صعود القذافي إلى السلطة وسيطرته عليها كان يمكن أن تتدخل ظروف استباقية تمنعه من هذا، مثل قيام تنظيم آخر داخل الجيش بانقلاب قبله، أو أن يكتشف قبل تحركه بفترة تمكن من إحباطه.

وحتى بعد نجاح الانقلاب (أو الثورة) كان يمكن أن تنشق مجموعة من داخل تنظيمه وتطيح به وتستولي على السلطة (وقد وقعت عدة محاولات في هذا السياق). وكان يمكن أن يُغتال أو يموت موتاً طبيعياً فجائياً.

لكن هذه الاحتمالات، المحكومة في معظمها بعامل الصدفة، لم تتوفر لها العوامل الرئيسية والثانوية بشكل متضافر بحيث تجعل منها ضرورة.

وإذن، صار (وليس كان) القذافي ضرورة في السياق الذي أوضحناه أعلاه.

* https://alwasat.ly/news/opinions/433800?author=1

** يقترح الدكتور عبدالسلام المسدي ترجمتها «الأصولية» لأنها تبحث في أصول العلم، ونحن آثرنا ترجمتها على النحو الوارد أعلاه. والجدير بالذكر أن ثمة فارقاً بين الاستخدام الإنجليزي والاستخدام الفرنسي للمصطلح. فهو عند الإنجليز «نظرية المعرفة» وعند الفرنسيين «فلسفة العلم»، وهو الاستعمال المستخدم عموماً لدى المفكرين والمثقفين العرب.