Atwasat

(زلباحة)

صالح الحاراتي الإثنين 11 مارس 2024, 06:57 مساء
صالح الحاراتي

الزلباحة أو اللهاية اسم لذلك البديل «المختصر» عن المرضعة الصناعية وهي عبارة عن حلمة من السيليكون أو المطاط مع واقٍ للفم من البلاستيك أو السيليكون تعطى للطفل الرضيع لإسكاته ومنعه من الصراخ عندما يريد أن يعلن عن حاجته للنوم أو للطعام أو شعوره بعدم الارتياح.

اسم الزلباحة في مجتمعنا يأتي من «زلبح يزلبح» وهي أمازيغية الأصل وتعني التعرض للاحتيال والنصب عند التعامل مع التجار والبائعين، وكذلك تعني التعرض للخداع عند التعامل مع الناس يقابلها في اللغة العربية الفصحى يحتال من الفعل احتال والفاعل محتال.

بالطبع للزلباحة عيوب، مثلها مثل الاحتيال، فقد يصبح الرضيع معتمداً عليها لكي ينام، وقد يواجه نوبات بكاء في منتصف الليل عند سقوط اللهاية من فمه، كما أن استخدام اللهاية قد يزيد من مخاطر الإصابة بالتلوث، كما أن استخدام اللهايات لفترات طويلة (قد) يسبب في اعوجاج أسنان الطفل أو عدم استوائها معاً بالصورة الصحيحة.

ما أورد «الزلباحة» في عقلي هو المقاربة مع التجلي والحضور اللافت لمعناها في المشهد السياسي الليبي متمثلاً في حضور استراتيجية (الإلهاء) بشكل واضح، حيث يتم التعامل (دولياً ومحلياً) بنفس القاعدة، كل مرة يتم الإلهاء أو«التزلبيح» حسب التعبير الشعبي بفكرة أو مقترح يتم الترويج له وكأنه الحل السحري ثم يتم التراجع عنه كأن لم يكن، مرة بالحوار والوفاق ومرة بالمصالحة ومرة بالانتخابات ومرة بالدستور ومرة بالمؤتمر الجامع وهكذا.. إنها سياسة الأمل الكاذب، أي أن يعيش المواطن عمره ينتظر ويتمنى حدوث الأفضل الذي لا يأتي.

فى اللغة.. حاول إلهاءَهُ أي إِشغاله من خلال مناورة لصرف أنظاره، واهتمامه، والإلهاء الذي أعنيه هنا هو عملية تحويل وإبعاد الرأي العام عن المشاكل والأمور المهمة إلى مشاكل أقل أهمية ولكنها أكثر صدى باستعمال الإعلام المضلل.. إنها طريقة خلق المشاكل بداية لتشتت النظر عن المشكلة الأساسية والأهم.

يقول نعوم تشومسكي عن سياسة الإلهاء أنها عنصر أساسي في التحكم في المجتمعات عبر تحويل انتباه الناس عن القضايا الهامة واستثارة عواطفهم بدلاً من فكرهم لتعطيل التحليل المنطقي والحس النقدي لديهم.

اليوم ومع هذا الإلهاء نعيش حالة تشابه وضع إلقاء القنابل الدخانية في الحروب التي تستعمل لتشتيت الانتباه أو تعمية الرؤية وتضليل المشهد حتى يربك العدو أو الطرف الآخر.. وتصبح المواقف السياسية والجهود المخلصة في حالة شلل، ويتم التسويف والتحايل على مطالب أي حراك وطني وﻻ يلتفت إلى مطالب الناس ببناء الدولة وبتداول السلطة وانتهاء شرعية الأجسام السياسية القائمة.

حتى الآن لم يتوقف الإلهاء والاستغفال، فتقاطع مصالح الدول المنخرطة في الشأن الليبي أمر جعل حالنا يتركز حول إدارة الأزمة وليس حلها، أما المتصدرون للمشهد السياسي فهم مشاركون بقوة في الملهاة، فجميعهم راضون عن الوضع القائم.. فمن في السلطة أو مراكز القوى يحيطهم الرضا نظراً لمكاسبهم الشخصية بلا حسيب أو رقيب والمواطن هو الوحيد المتضرر.

أما بخصوص وسائل الإلهاء فهي عديدة، منها أن تقوم السلطة بخلق مشكلة تؤثر في معيشة الناس فينذمرون ثم تقترح الحل الوهمي المبتور، فتجعل الناس هم الذين يطالبون السلطة بذلك الحل وذلك باتخاذ إجراءات وسياسات يقبلون بها رغم أنها تَحُد من حريتهم وتؤثر سلباً على معيشتهم ولكنهم أصبحوا يرونه حلاً ضرورياً فيغضون الطرف عن حقوقهم باعتبار ذلك الحل «شر» لا بُد منه .. والنتيجة هى انحسار مطالب الناس وآمالها في الحصول على ضرورات الحياة كالدواء والكهرباء والماء ولقمة العيش وتفادي الوقوع في براثن المرض.. ويستمرالإلهاء ودائرته المفرغة.