Atwasat

«تناشيب»

صالح الحاراتي الخميس 08 فبراير 2024, 10:09 مساء
صالح الحاراتي

لفظ مستخدم في لهجتنا المحلية، يحمل معنى أظنه يستحق الانتباه، وبالبحث فى قاموس الفصحى، وجدت ناشبَ يُناشِب ، مُنَاشبةً ، فهو مُناشِب، والمفعول مُنَاشَب؛ ناشب خصمَه أي رماه بالنُّشَّاب وهو النَّبْل، ونَاشَبَهُ الحربَ: نابذَه إِيَّاها، وناشب قد تعنى أيضاً صاحب «النشاب» نفسه.

وفى اللهجات المحلية العربية وجدت كلمة (النشبة) التى يشيع استعمالها في اللهجات الخليجية بمعنى الشخص (المتربص) المزعج الذي يترصد أمور الآخرين ويقال أن أصلها فصيح (رجلُ نُشَبَة) بمعنى الرجل الذي إذا أمسك بأمر لا يحلّ عنه، والتَّنَشُّبُ فِي الشَّيْءِ التعَلَقُ بِهِ.. وتَنَشُّبَ قَلْبِهِ بِحُبِّهَا أي تعَلُّقَ قَلْبِهِ بِحُبِّهَا.

كما أظن، وليس كل الظن إثماً، أن هناك مفردات قريبة من «التناشيب والمناشبة» مثل: مُشاكَسة ومُشاغَبة، أما مفردة «مناكشة» فتقديري أنها أكثر قرباً لـ «التناشيب والمناشبة»، حيث نجد «نَكَشَ الأَرْضَ بِالمِعوَلِ» أي قَلَبَ تُرْبَتَهَا.. «نَكَشَ الأَمْرَ» أى نَقَّبَ فِيهِ،

كما أرى أيضاً أن هناك صلة قربى مع «مُناوَشة» التى جمعها: مُناوشات، والمُنَاوَشَةٌ جِدَالٌ، ونِزاع مَحدود أو معركة محدودة لاختبار قُوَّة الطرف الآخر.

من كل ذلك جاء ظني أن الشخص الذى يقوم بـ «التناشيب» حسب لهجتنا المحلية هو فى حقيقته شخصية ناقدة مناكشة، مشاكسة ومتمردة معترضة على الواقع، ومنه كان رأيي في أهمية لفظ «التناشيب» وشخصية «المناشِب» باعتبار أنه ليس شخصية «استاتيكية»، فهو شخص يقوم من خلال النقد لشخص آخر أو اعتراض على رأيه ولما يحمله من أفكار، وغالباً يتم الأمر فى صيغة أسئلة مستفزة استنكارية ساخرة، وفي حالة أقرب إلى المشاكسة الظريفة من خلال أسئلته الذكية، فهو شخصية يهدف صاحبها إلى إثارة شيء ما في نفس الطرف الآخر قولاً أو فعلاً.

وفي هذا السياق لا يفوتني أن أشير إلى أن «التناشيب» قد يكون موجهاً للمحبوب وقد يستخدمه «المناشب» عندما يصل إلى مرحلة لا يستطيع فيها التعبير عن مشاعره للطرف الثاني فيتعمد الاستفزاز و«المناشبة» حتى يخلق انفعالا ونشاطا وحوارا بين الطرفين، والملاحظ بشكل عام أن الشخص «المناشب» غالبا ما تكون علاقاته الاجتماعية أكثر حيوية لأنه يمارس «المناشبة» من خلال أساليب متنوعة لأجل لفت انتباه أصدقائه وأحبابه، وغايته إخراج مكنونات أنفسهم والضحكة على وجوههم مهما كانت الطريقة في الوصول لذلك غريبة، فسلوكه يتم بخفة دم وكثير من المرح.

أعود وأحدّث نفسي قائلا، ربما كان إعجابى بالشخص «المُناشِب» لأنه يبدو لى «شخصية متمردة»، يميل إلى المعارضة وليس الإذعان ونقد لما يقوله أو يقره الآخرون، فصاحبنا «المناشِب» غالبا ما تتطور شخصيته الى التمرد.

ولذا لا بأس من الذهاب إلى لفظ التمرد .. حيث نجد أن تَمَرَّدَ أي تَجاوَزَ الطاعَة.. مثل تَمَرَّدَ الجُند في المُعَسكر على أَوامِر الضُّبَّاطِ ، أَعلنُوا العِصيان والثَّورة.. فالتمرد هو رفض لتنفيذ الأوامر، ويُطلق لفظ التمرد على السلوكيات التي يمارسها فرد أو مجموعة من الأفراد ضد السلطة المتنفذة للتخلص منها مثلما يحدث في الثورات.

الشخصية المتمردة شخصية رافضة لأي روتين، ولأي اختراق للحرية الشخصية لها.. وهي شخصية يضيق صدرها بالظلم وترفض التكيف مع طبيعة الواقع الحاضر، حيث تعيش في حالة من الرفض لواقعها، وتتطلع إلى عالم أفضل، وتراوده الرغبة للتمرد والانشقاق عن التيار الغالب معلناً بروحية مغامرة عدم الانضواء تحت الكيانات القائمة المُتَهالكة ، فالتمردُ الإيجابى ليس غضب الأحمق ولا بغضاء المبغض، ولكنه تمرد من يحمل رسالة ورؤية تحلم بواقع أكثر عدالة، وما التناشيب في تقديري إلا خطوة أولى في هذا الطريق.