Atwasat

«على قد غطاك.....»

جمعة بوكليب الأربعاء 27 ديسمبر 2023, 01:47 مساء
جمعة بوكليب

لو أن كل مواطن في أي بقعة من دنيا الله الواسعة، هداه الله، وعمل بالمثل الشعبي القائل «على قد غطاك مد رجليك»، واستكفى بما لديه، لربما كانت الخراف والكباش أول المحتفلين بقدوم عيد الأضحى كل عام، ولربما كانت الديوك الرومية احتفت فرحاً بمقدم أعياد الكريسماس. ولربما كانت الدنيا غير الدنيا التي نعرفها، ونعيش ونموت فيها، ولربما عشنا في سلام ووئام، ولم نكن عرفنا ثقافة النهب والسرقة والاحتيال...إلخ. لكن ما يقوله المثل شيء، والواقع وما يفعله الناس في هذه الدنيا شيء آخر. ومن الأخير لا يوجد، في رأيي، من يمد رجليه على قد غطاه؛ بل هناك، فعلياً وواقعياً، من يسعى للاستحواذ على ما لدى غيره من أغطية وألحفة. وهذا يعني، إن أمكن القول، إن بنادم مخلوق ليس من طين فقط، بل كذلك من طمع وجشع، إلا من رحم ربي. وهؤلاء الأخيرون قلة قليلة. والقلة القليلة، كما يؤكد اسمها، تعيش دوماً على الهامش، كالدراويش، وكثيراً ما تكون عرضة للاضطهاد والقمع والتنكيل والاستهزاء. وبالطبع، لا تكون قدوة إلا في حالات استثنائية، ونادرة جداً، ولذلك السبب لا يعتد بها.

الأمر في المجتمعات والدول والأمم الفقيرة لا يختلف عنه، في رأيي، لدى المجتمعات والدول والأمم الغنية. والاختلاف بينهما في النسبة فقط، أي في نسبة قدرة الدولة والقوانين على كبح وعقاب المعتدين على أرزاق غيرهم. لكن في الدول الفاشلة يزداد الأمر سوءاً، ويصير النهب، وخاصة للمال العام، والاحتيال والسرقة خارج نطاق السيطرة.

وفي بلادنا ليبيا والتي تنتمي إلى الدول الأخيرة، عمليات سرقة ونهب ألحفة الغير تتم عيني عينك. ولكي يبرر الطامعون والجشعون رغباتهم في الاستحواذ على ما لدى غيرهم، حتى وإن كان لحافهم يغطي أرجلهم وزيادة، يضربون المثل بالبحر قائلين: «حتى البحر ما يكرهش الزيادة». وقولهم ذلك يوضح أن نفوسهم خربة لا تعرف شبعاً. وبذلك ظلموا البحر عن سبق إصرار وترصد، وفي الوقت ذاته، شرعنوا النهب والسرقة والاحتيال.

وما دعاني للخوض في هذا الموضوع، هوما نشهده من استفحال ظاهرة التسابق والتنافس في ليبيا على سرقة المال العام، بشتى الوسائل والسبل غير المشروعة. وهي ظاهرة ليست وليدة انتفاضة فبراير، بل برزت واستفحلت مع تحول المجتمع الليبي إلى مجتمع نفطي، في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي، وما أفرزه من ظواهر عديدة، وفي مقدمتها استغوال الفساد، والتسابق على نهب المال العام. إلا أنها بعد الانتفاضة المباركة في فبراير 2011 استفحلت.

ما يلفت الاهتمام، بل ويثير العجب، أن المتنافسين على النهب ليسوا فقراء، ولحافهم يقصر عن تغطية أرجلهم، بل هم من أصحاب الثروات والعقارات والأراضي، وبعضهم وصل إلى درجة من الثراء تفشل حتى النيران في الإتيان عليها. وهم معروفون جداً، ليس فقط لكبار شيوخ الحومة الأحياء، بل حتى لصغارها أيضاً، وجميعهم يعرفون المصادر التي جاءت منها تلك الأموال، والكيفية التي تمت بها. المشكلة بالتحديد أنهم صاروا قدوة في المجتمع، ورسخوا وشرعنوا ثقافة سرقة المال العام، على اعتبار أنه رزق حكومة، بمعنى أنه رزق عدو، لأن الحكومات في ليبيا، منذ الاستقلال، آخذين في الاعتبار الاختلافات بينها، لم تكن صديقة للشعب. ونظرة واحدة لما يحدث في الحكومتين الحاليتين، غرباً وشرقاً، وتقييم الشعب لهما، كاف للتوضيح.

وهذا لا يعني أن الحلول المقترحة، والعقوبات القانونية، تمكنت من مقاومة تلك الظاهرة أو التخفيف منها على الأقل. وما نعرفه أن الفساد طال كل شيء، ولم يسلم منه حتى أغلب العاملين في الأجهزة المخصصة لحماية وتنفيذ القوانين والعقوبات. وقبل القوانين الوضعية، والعاملين بها، أخفقت العقوبات الدينية في ردع الفاسدين.

والحل؟

الحل الأسهل في نظري، والأجدى نفعاً، هو أن تصدر الحكومتان، غرباً وشرقاً، قرارين في وقت واحد، يتعلقان بحظر ترديد المثل القائل: «على قد غطاك مد رجليك». وإن أمكن اعتباره كذلك لاغياً كلياً من منظومة الأمثال الشعبية الناهية لانتفاء جدواه.