Atwasat

تشريح القنفذ ـ وجوه القذافي العديدة (6)

عمر الكدي الإثنين 25 سبتمبر 2023, 01:36 مساء
عمر الكدي

ينحدر معمر القذافي من قبيلة القذاذفة وجده الأعلى هو قذاف الدم دفين جبل غان شرق غريان والذي عاش عشيرًا لقبيلة الكميشات راعيًا لماشيتهم، والكميشات قبيلة من قبائل منطقة القواسم شمال غريان، ولأنه وصل وحيدًا فقد زوجوه من أرملة كميشية، لذلك أطلق القذافي على غريان اسم «البلد الأم» عندما زارها في بداية التسعينيات، وينحدر قذاف الدم من أحد فروع بني سليم، التي وصلت إلى ليبيا في هجرة أولاد هلال وبني سليم من الجزيرة العربية باتجاه المغرب الكبير، واستقرت معظم بطون بني سليم في شرق البلاد ومنهم قبائل السعادي، بينما استقرت بعض بطونها الأخرى في غرب وجنوب البلاد، ومن بينهم القذاذفة والصيعان والنوايل والأصابعة، وامتهن القذاذفة حرفة الرعي لصالح القبائل القوية المحاربة مثل أولاد سليمان وورفلة والزنتان، وتنقسم القبيلة إلى عدة بطون أصغرها وأقلها شأنًا هي بطن القحوص التي ينحدر منها القذافي، وهذا مهم لمعرفة النفسية شديدة التعقيد التي شكلت وجدان القذافي، فهو لا ينتمي لقبيلة قوية تعودت على السيطرة والحكم، وحتى داخل قبيلته ينتمي إلى أصغر فروعها وأضعفها.

ليس هناك اتفاق حول مولد القذافي وغالبًا ولد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عقب هزيمة القوات الألمانية والإيطالية في ليبيا، ربما عام 1941 أو 1942، كما لا يوجد اتفاق حول مكان ولادته، وغالبًا ولد في بادية سرت أو في الطريق بين سرت وفزان، وتعودت عائلته على التنقل بين بادية سرت وفزان، وأخيرًا سجله والده في مدرسة بسبها حيث أقام في القسم الداخلي، وكان يتردد على بيت محمد قذاف الدم والد سيد وأحمد قذاف الدم، الذي كان يعمل ضابطًا في القوات المتحركة، كما كان مثله مثل كل أبناء القذاذفة تحت رعاية والي فزان محمد سيف النصر، وهناك تشكل وعيه المبكر وهو يستمع إلى إذاعة صوت العرب وخطب عبدالناصر ويتابع أخبار الثورة الجزائرية، ويخرج في المظاهرات في كل المناسبات، حتى تقرر طرده من مدارس ولاية فزان، وقبل أن ينتقل إلى مدرسة مصراتة الإعدادية استدعاه البي محمد سيف النصر، وخلال النقاش يبدو أن القذافي كان حادًا فصفعه البي محمد صفعة مدوية، تلك الصفعة التي ستلاحق عائلة سيف النصر في ليبيا وفي المنفى بعد نجاح انقلابه العسكري، ومع ذلك لم يقطع علاقته بأولاد سليمان بشكل كامل، وإنما قرب المهمشين منهم مثل عبد السلام الزادمة وعبد الله منصور.

في مدرسة سبها تعرف القذافي على عبد السلام جلود المقرحي، ومحمد بالقاسم الزوي، وعبدالرحمن الصيد الزوي وأحمد محمود الزوي، وفي مصراتة تعرف على عمر المحيشي الشركسي ومحمد خليل، ومفتاح كعيبة ولكن التنظيم الذي شكله تكامل في الكلية العسكرية في بنغازي، وضم ثلاثة فقط من أبناء المدن هم مختار القروي ابن حي الظهرة في طرابلس، ومحمد نجم وعوض حمزة من مدينة بنغازي، والباقي من البدو أو من ريف المنطقة الغربية، ومنذ البداية قدم أبناء المدن استقالاتهم بعد خطاب زوارة.

وهو يعد لانقلابه كان القذافي مثالًا للشخص الملتزم أخلاقيًا ودينيًا، وهو يتنقل بسيارة الفولكس واجن التي أهداها له علي الفيتوري الورفلي، بعد أن فاتحه للانضمام الى التنظيم فاعتذر الفيتوري، واكتفى بهذه المساهمة. كان الجيش يعج بالتنظيمات السرية من كل التيارات، وتحاشى القذافي بدهاء الاستعانة بهذه التنظيمات، ولكنه أدرك مبكرًا أن تنظيمه غير قادر على القيام بانقلاب ناجح، وعندها بحث عن ضباط أكبر رتبة من خارج هذه التنظيمات، ووجد مبتغاه في أستاذه بالكلية العسكرية المقدم آدم الحواز الحاسي، والمقدم موسى أحمد الحاسي، تكفل موسى أحمد بالسيطرة على معسكر القوات المتحركة في قرنادة بالجبل الأخضر، مستعينًا بأبناء قبيلته الذين احتلوا المعسكر من الداخل، وتولى آدم الحواز الاتصلات باعتباره من كبار ضباط سلاح الإشارة، بينما تكفل أعضاء تنظيمه بالسيطرة على الأماكن الحيوية في بنغازي وطرابلس، وليلة الانقلاب اتضح الوجه المخفي للقذافي، فبينما خرج الجميع للقيام بالمهام المكلفين بها، بقي القذافي في غرفته بمعسكر قاريونس حتى تأكد من نجاح الانقلاب، وعندها اتجه إلى إذاعة بنغازي ليقرأ البيان الأول. أخفى القذافي نفسه لمدة ثلاثة أيام كما أخفى أسماء كل أعضاء تنظيمه ما عدا موسى أحمد وآدم الحواز، الذي تولى وزارة الدفاع، بينما تولى موسى أحمد وزارة الداخلية ليتخلص منهما بعد ثلاثة أشهر. في البداية أشاع أن قائد الانقلاب هو العقيد سعد الدين بوشويرب، الذي فصل من الجيش عام 1967 بسبب انتقاده للنظام الملكي وانتمائه للتيار البعثي، وفي الأثناء وصل ضابط المخابرات المصرية فتحي الديب، الذي تولى تأمين الانقلاب، ثم أرسل عبدالناصر حكومة كاملة لتعين الضباط الشباب على إدارة البلاد.

هل كان القذافي على علم بما فعله البعثيون في العراق، عندما أطاحوا بالرئيس عبدالرحمن عارف عام 1968؟ كان عدد المنتسبين لحزب البعث في ذلك الوقت لا يزيد عن 300 شخص، وأدرك صدام حسين أن الحزب لن يستطيع الانقلاب على عارف دون مساعدة من المقربين من عارف، وعلى رأسهم وزير الدفاع حردان التكريتي ومدير المخابرات العسكرية عبدالرزاق النايف، بالرغم من معارضة بقية البعثيين وافق صدام حسين على كل مطالب حردان والنايف، ونجح الانقلاب ليتخلص منهما بعد أسابيع معدودة*. لا أعتقد أن القذافي كان على علم بكل هذه التفاصيل، ولكنه يمتلك نفس العقل التآمري لصدام حسين، وإذا كان صدام حسين قد تخلص من معظم كوادر حزب البعث بعد إقصائه للرئيس أحمد حسن البكر، فإن القذافي أقصاهم جميعًا منذ البداية، وأبقى على من لا يناقشه في التفاصيل وإنما ينفذ أوامره دون نقاش، ومنذ فشل محاولة المحيشي عام 1975 لم يبق معه إلا أربعة من أعضاء مجلس قيادة الثورة، قبل أن يتخلى عنه جلود عام 1993. كان على القذافي أن يظهر الفارق بينه وبين زملائه للناس، فنظم حملة لإحياء معارك الجهاد ضد الطليان، وطلب منهم المشاركة بينما كان التلفزيون يبث خطاباتهم أمام الجماهير. مصطفى الخروبي اكتفى بالصمت، بينما قال أبوبكر يونس في خطاب له «أيها الشعب الجمهور»، وفي خطاب آخر قال «أيها الشعب الليبي الشقيق»، بينما قال وزير الداخلية الخويلدي الحميدي «إن الشرطي العربي الليبي في عهد ثورة الفاتح من سبتمبر يفهمها وهي طايرة»، وذات مرة قال للأدباء والكتاب «لا تقل امرأة بين ظفري ولحمي قل إنك تكره الثورة»، أما جلود فكان يبدأ خطاباته بشكل معقول ثم ينسى ما كان يتحدث عنه وينتقل إلى نقطة أخرى، بينما يحرك رأسه بعصبية وعيناه تحدقان في الجمهور مثل عيني ثعبان.

* عبد الغفار حردان التكريتي ظل في السلطة حتى سنة 1970، وزار ليبيا في هذه الفترة، واغتيل في الكويت في 31. مارس. 1971

________________

تشريح القنفذ (5) ـ الانقلاب على الرفاق
تشريح القنفذ (4) ـ تحليل شخصية القذافي
تشريح القنفذ (3) ـ القذافي والقنفذ
تشريح القنفذ (2) ـ البدوي الأخير
تشريح القنفذ (1) ـ تحليل شخصية الطاغية