Atwasat

تشريح القنفذ ـ الانقلاب على الرفاق (5)

عمر الكدي الأربعاء 20 سبتمبر 2023, 07:59 مساء
عمر الكدي

عرفنا تقييم فتحي الديب لمعمر القذافي، فكيف كان تقييمه للرجل الثاني عبدالسلام جلود. يقول الديب عن جلود «ذكي، يتميز بالقدرة على الاستيعاب. ظاهره العنف والشدة والحزم، وباطنه يتسم بالطفولة التي تبرز من خلال سلوكه وتصرفاته. يتمتع بقدرة على كسب ثقة العامة من خلال بساطته وقدرته على حل مشاكل الجماهير دون التقيُّد بالنظم والقوانين. غير قادر على تقييم الأشخاص وكثيراً ما ينخدع بمظهرهم».

أما أبوبكر يونس جابر فوصفه الديب بأنه رجل طيب، وأنه غير كفوء لقيادة الجيش ولكنه على ولاء كامل للقذافي، كما أن تقييمه للخويلدي الحميدي ولمصطفى الخروبي كان سلبياً، بينما أشاد بعبدالمنعم الهوني وقدرته على الاستيعاب السريع، أما عمر المحيشي فصنفه كخطر محدق بالقذافي، ولأن الديب ارتكب خطأ في الجزائر عندما راهن على أحمد بن بله، ولم ينتبه لخطورة وزير الدفاع العقيد هواري بومدين، الذي انقلب على بن بله وخسر النظام الناصري حليفاً وفياً، لذلك احتاط لأي تغيير مفاجئ في ليبيا قد يقوده المحيشي، فرتب للمحيشي وزير الصناعة لقاء مع الرئيس عبدالناصر عند زيارته للقاهرة اتسم بالود المتبادل، ونجح الديب في التوسط بين القذافي وأعضاء مجلسه الانقلابي عدة مرات، وبدأ يلاحظ الوجه المخفي للقذافي الذي عامل زملاءه بازدراء شديد موجهاً لهم السباب بكلمات نابية. في ذلك الوقت أحاط القذافي نفسه بأقاربه وعلى رأسهم حسن اشكال وخليفة احنيش، اللذين كانا يحذرانه من مصير بن بله، لهذا سلم الجيش لأكثر اثنين يثق بهما وهما أبوبكر يونس ومصطفى الخروبي، وبعد مؤامرة آدم الحواز وموسى أحمد، اكتشف الديب مؤامرتين الأولى عرفت بمؤامرة فزان، والثانية بمؤامرة بنغازي.

حتى الآن لا نعرف لماذا أعدم القذافي آدم الحواز، واكتفى بسجن موسى أحمد حتى إطلاق سراحه عام 1988، ربما لأن الحواز رفض الكشف عن أعضاء تنظيمه في الجيش مما يجعله خطراً حتى وهو في السجن، كما أصر على أنه الأب الروحي لتنظيم الضباط الوحدويين الأحرار، وظلت علاقة القذافي متوترة مع أعضاء مجلس انقلابه حتى عام 1973، عندما طالبت الأغلبية بتسليم السلطة للمدنيين وعودتهم إلى ثكناتهم، فطلب منهم الانتظار حتى يلقي خطابه في زوارة بمناسبة المولد النبوي ليعلن استقالته، ولكنهم فوجئوا بإقالتهم جميعاً وإعلان الثورة الثقافية، وإلغاء كافة القوانين المعمول بها بما في ذلك الإعلان الدستوري، مما زاد من استياء زملائه، وبعد عامين ضبطت محاولة المحيشي الانقلابية، الذي فر خارج البلاد مع عبدالمنعم الهوني، بينما اعتقل بشير هوادي وأعدم 21 ضابطاً شاركوا في المحاولة، وبعد استقالة القروي وعوض حمزة ومحمد نجم، لم يبق مع القذافي إلا أربعة أعضاء ممن شاركوا في انقلاب سبتمبر من أصل 11 عضواً.

مما سبق نلاحظ الآتي أن القذافي على الرغم من أنه وضع كل البيض في سلة عبدالناصر، إلا أنه حافظ على علاقة جيدة مع الجزائر بقيادة بومدين الذي حذره من عبدالناصر، ووقع اتفاقية مع الجزائر تسمح لشركة النفط الجزائرية بالتنقيب على النفط داخل الأراضي الليبية، بالرغم من أن معظم أعضاء المجلس عارضوا الاتفاقية، وبعد جلاء القوات الأميركية والبريطانية عن قاعدتي الملاحة وطبرق، شعر القذافي بثقة متزايدة سمحت له بإهمال رفاقه الذين تفاجأوا بقرارات اتخذها دون الرجوع إليهم، واستعمل القذافي سلاحه العجيب الذي كان فعالاً حتى سقوط نظامه، وهو سلاح الزعل «الحرج» والتهديد بالاستقالة، غير مدركين أن أقاربه صاروا أكثر نفوذاً منهم، وبعد سنوات سيضطر القذافي للتخلص حتى من أقاربه، مثلما حدث مع حسن اشكال الذي قُتل بعد استدعائه لباب العزيزية، وإبعاد خليفة احنيش عن الجيش وتكليفه بملف القبائل.

اعتمد القذافي على معاونين لا يناقشون أوامره، معظمهم من قبائل هامشية مثل عبدالله السنوسي الذي كان يردد أن القذافي إذا طلب منه قتل ابنه فإنه لن يتردد، وأحمد رمضان الأصيبعي وبشير حميد التاورغي، وبشير صالح الفزاني، وعبدالله منصور وعلي الكيلاني، وكان القذافي شديد الفراسة في انتقاء مساعديه واستخدم سلاح المقاطعة لمن يعصي أوامره، فالذي يقاطعه القذافي يقاطعه الجميع ولن يرد أحد على مكالماته، وكأنه يردد قول جرير بن عطية «إذا غضبت عليك بنو تميم حسبت الناس كلهم غضابا». وعندما توفيت زوجة بشير هوادي وذهب العديد من كبار الضباط إلى ودان لتقديم العزاء لهوادي، أمر القذافي بتخفيض رتبهم العسكرية، وظل هذا السلاح فعالاً لطفل وحيد ولد وسط عدد من البنات كن يلبين طلباته ويحرمن أنفسهن، وإذا تقاعسن «يحرج» ويقاطعهن، إلا أن عقدته الكبيرة كانت مع النساء اللواتي تعرف عليهن بعد انقلابه، ومعظمهن من طرابلس فذابت بين أيديهن شخصيته المتدينة الملتزمة حد التزمت، وتحول إلى رجل داعر لا يمانع من ممارسة الجنس مع واحدة منهن بينما تراقب الأخريات ما يجري.

________________

تشريح القنفذ ـ تحليل شخصية القذافي (4)
تشريح القنفذ ـ القذافي والقنفذ (3)
تشريح القنفذ ـ البدوي الأخير (2)
تشريح القنفذ ـ تحليل شخصية الطاغية (1)