Atwasat

تشريح القنفذ ـ تحليل شخصية الطاغية (1)

عمر الكدي الإثنين 21 أغسطس 2023, 07:35 مساء
عمر الكدي

حكم القذافي ليبيا منفردًا لمدة اثنين وأربعين عامًا، وهو ما يعني أن الرجل لا ينقصه الذكاء، ليبقى طوال هذه المدة، إلا إذا اعتبرنا أن الليبيين غير أذكياء، وأن جميع محاولاتهم لإسقاطه باءت بالفشل سواء كانت من الداخل أو من الخارج، ولكنه سقط في النهاية على أيدي الجماهير التي تغلبت على خوفها، وبمساعدة من حلف الناتو، ولولا هذه المساعدة لطالت المعركة، فالطاغية بعد 42 سنة يؤمن بأنه لا يهزم، فما الذي جعل القذافي يستمر كل هذه المدة؟ أخذًا بعين الاعتبار أننا جميعًا ساهمنا في صنعه بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء كنا نعلم أو لا نعلم.

الطاغية هو من يصل إلى السلطة بطريقة غير شرعية، وحتى إذا وصلها بطريقة شرعية ينقلب على الدستور الذي أوصله إلى السلطة، ويصبح هو الدستور وهذا مثلًا ما حدث مع هتلر الذي وصل إلى السلطة عن طريق الانتخابات.

يتفق علماء النفس على أن الطاغية هو غالبًا نتاج طفولة مضطربة، كأن يكون الأب شديد التسلط أو أن الأم قوية لا تعرف الرحمة، فيتعلم الطاغية مبكرًا الكذب والخداع لينجو من العقاب، ويحتقر قيم مجتمعه الأخلاقية والدينية لأن ما يراه في البيت عكس ما يقوله المعلمون في المدرسة، ولكنه يكتشف لاحقًا أن هذه القيم ضرورية ليكتسب احترام الناس، وعندها يتظاهر بحبه لهذه القيم ويصبح عدوانيًا تجاه من يستخف بها، وهكذا يتعلم الطاغية حيلًا جديدة كل يوم للتأثير على محيطه الضيق، ثم يكتشف لاحقًا أن هذه الحيل قد تقوده ليحكم البلاد كلها، ولكنه يدرك أنه لا يستطيع الوصول إلى هذا الهدف وحده، ويبدأ في انتقاء من يصلح لمساعدته، والذين سيتخلص منهم جميعًا بعد وصوله إلى السلطة. كان القذافي يقول عن رفاقه من أعضاء مجلس قيادة الثورة، إنهم مجرد دواب حملوه إلى هدفه ثم استغنى عنهم، عندما وجد دوابَّ أخرى أسرع وأقوى على التحمل ليصعد بهم حيث لا تستطيع الدواب السابقة.

الطاغية شخصية نرجسية ومصابة بمزيج من جنون العظمة وفصام الشخصية، فهو لا يثق في أحد ولا يحب أحدًا بما في ذلك أبناؤه. كان سيف الإسلام يخاطب والده بلقب «القائد»، وعندما سأله أحدهم لماذا لا تخاطبه بـ «يا بابا» أو يا «بوي» أو يا «باتي» قال إنه عندها لن يحصل منه على شيء.

بسبب هذين المرضين يشعر الطاغية بأنه يمتلك الحقيقة المطلقة، ولا يحتمل أي معارضة حتى ولو كانت نكتة. القذافي هو الطاغية الوحيد الذي أصدر قانونًا يمنع النكتة.

في البداية خدع رفاقه في مدارس سبها ومصراتة بتدينه الشديد، وبنفس السلوك خدع رفاقه في القوات المسلحة، وعندما انفرد بالسلطة تحول إلى شخص ماجن وكون كتيبة من الحارسات لمتعه الشخصية، فهو ليس أقل شأنًا من هارون الرشيد، كما يتظاهر بالزهد ونظافة اليد وأنه يعيش في خيمة ينقلها معه أينما حل، وكان قد أقسم باليمين أنه لن يتقاضى أكثر من راتب عقيد في الجيش، ونحن نعلم أنه كان يتصرف في مليارات الدولارات، وفي كل البلدان العربية تقريبًا يخوض الطغاة الانتخابات كل خمس أو ست سنوات، وتكون النتائج متشابهة فلا معارضة تذكر، ومع ذلك لم تحتمل نرجسية القذافي هذه الشكليات، فادعى مبكرًا أنه سلم السلطة والثروة والسلاح للشعب وأنه لا يحكم، ولكن عندما اهتزت خيمته بشدة توسل للشعب أن يتركه مثل ملكة بريطانيا أو إمبراطور اليابان، فالطاغية عندما يحاط بالأعداء يعود إلى ذلك الطفل الذي تعود على النجاة من العقاب باستعطاف من حوله، هكذا ودع القذافي جبروته وحيدًا عندما قبض عليه المتمردون قرب الحي الثاني في سرت. كان يقول لهم «شنو فيه.. خيركم». فجأة اختفت الكاريزما والقدرة على الإقناع، وعاد ذلك الطفل الخائف والمضطرب الذي فقد كل السلطة والحيل التي أدمنها.

ما يميز القذافي عن غيره من الطغاة هو بداوته المزمنة، فهو يحتقر المدينة لأنه يخشى من التعدد الذي تمثله المدينة، ويميل إلى النجع والقرية لأنها أحادية بطبيعتها ولأن القطيع يسهل التحكم به، وعندما يصل إلى السلطة يقارن نفسه بمن حكم البلاد قبله، وإذا وجد حاكمًا أو قائدًا ناجحًا يغار منه، ويحذفه من جميع المناهج الدراسية ويمحوه بالكامل من التاريخ، وهذا يفسر حقده الشديد على الإمام محمد بن علي السنوسي الذي أمر بهدم ضريحه وأن تلقى رفاته في الصحراء، وهذا بالضبط ما حدث مع القذافي.