Atwasat

«خَطّمْ على البير وقول صادرة»

جمعة بوكليب الأربعاء 20 سبتمبر 2023, 05:08 مساء
جمعة بوكليب

«خَطّمْ على البير وقول صادرة»

المتابع لأخبار الكارثة، التي سببتها العاصفة «دانيال» في شرق ليبيا، خلال الأيام الماضية، قد لا تفوته ملاحظتان:
الأولى تتعلق بشيوخ المساجد، وخاصة خطباء الجمعة. الثانية تتعلق بمن يتولون مقاليد الأمور في تلك البقعة من ليبيا. أصحاب الفئة الأولى قالوا في تبريراتهم، أن العاصفة هي غضب من الله تعالى. ودعوا الناس إلى المسارعة بالتوبة والاستغفار. وأصحاب الفئة الثانية ألقوا بقميص عثمان على غضب الطبيعة، وأخلوا أنفسهم من المسؤولية.

وسمعتُ بأذنيّ رئيس الحكومة في شرق ليبيا السيد أسامة حماد، يضع كل اللوم على العاصفة دانيال، خلال تصريح أدلى به لمراسل هيئة الإذاعة البريطانية التقاه في درنة لدى قيامه بزيارة للمدينة. وقبله، حرص رئيس البرلمان السيد عقيلة صالح، في الجلسة الطارئة للمجلس بعد وقوع الكارثة، على تأكيد القول نفسه. أي أن الحكومة والمسؤولين بريئون من دم الضحايا.


اللهم لا اعتراض على قضاء الله وقدره. لكن القول بغضب الله فقط، ورفع المسؤولية عن كاهل المسؤولين قولٌ، في الحقيقة، في حاجة إلى مراجعة وإعادة نظر، وبأسرع ما يمكن. والقول الثاني بعدم القدرة على التصدي لكوارث الطبيعة، أمر مرفوض.

الحقائق والأدلة والبراهين، كلها تؤكد أنه لم يكن بالإمكان وقف العاصفة دانيال، بل كان من الممكن تخفيف نسبة الخسائر البشرية، عبر القيام بإجراءات احترازية متعارف عليها. أهمها إخلاء المناطق الأكثر عرضة لتأثيرات العاصفة من السكان، والاستعداد لكل الطوارئ. وكان أمام المسؤولين فرصة زمنية لتدارك الأمر، خاصة بعد تأكيد أجهزة الأرصاد الجوية في ليبيا، وفي غيرها من الدول، أن العاصفة «دانيال»، عقب مغادرتها اليونان، كانت في طريقها إلى ليبيا، وتحديداً إلى مناطق ومدن الجزء الشرقي منها. وبالتأكيد، فإن لا أحد يطالب المسؤولين في تلك المسافة الزمنية القصيرة المسارعة بإصلاح وصيانة السدّين (درنة وبومنصور)، فتلك قصة أخرى، لكن الوقت كان يكفي، على الأقل، للعمل على إخلاء سكان المناطق الواقعة على ضفتي مجرى الوادي، ولو بالاضطرار إلى إجبارهم على ذلك، في حالة الرفض. ونقلهم إلى أماكن إقامة موقتة في جهات لا تصلها المياه، وتؤمن نجاتهم.

الآن، وبعد أن وقعت الفأس في الرأس، ذكرت وسائل الإعلام الليبية أن السيد المدعي العام قد فتح تحقيقا في الحادثة، بغرض كشف المسؤولين وتقديمهم للعدالة. ولأننا من أهل مكة، فنحن أدرى من غيرنا بشعابها. ولعل أشد ما نخشاه أن يكون الغرض من ذلك امتصاص غضب ونقمة الليبيين. ونعرف مسبقاً، من سابق تجارب وخبرة، أن مكتب المدعي العام لن يجرؤ مطلقاً على تقديم المسؤولين للمحاكمة. فقد سبق للمكتب الخوض في قضايا كثيرة قبل ذلك، لكن الأمر يتوقف عند تلك النقطة. لذلك السبب، اهتزت ثقة الليبيين بالمسؤولين العدليين، ووصلت حد الصفر. ولذلك السبب أيضاً، ارتفعت الأصوات عالياً تطالب المنظمات الدولية بالتحقيق في الحادثة. ونأمل أن تجد تلك الدعوات آذاناً مصغية.
ملف صيانة السدّين، حكايته طويلة جدا، وتكاد تكون أطول من خرافة «أم بسيسي»، وفي حاجة إلى تحقيقات عديدة، ومن عدة جهات. وعلى سبيل المثال، ماذا حدث للميزانية المخصصة لصيانتهما، وأين ذهبت الأموال؟ ولماذا تقاعس المسؤولون عن القيام بالصيانة طوال السنوات الماضية، رغم تحذيرات أهل الاختصاص المتكررة والموثقة؟