Atwasat

(شي) مثلما (بوتين) أمريكي حتى النخاع!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 12 سبتمبر 2023, 07:10 مساء
أحمد الفيتوري

1-
«بهارات ترحب بالمندوبين باعتبارها رئيسا لمجموعة العشرين». قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال افتتاح القمة التي تستضيفها نيودلهي، في إشارة إلى اسم الهند الجديد في مرحلة جديدة من تاريخ الهند والعالم، أو هكذا في رأي محللين.

أراد مودي أن يدشن الهند كدولة كبرى، أو أنها في السباق لأجل أن تكون الكبرى. وفي هذا المؤتمر، كأن مودي أراد أن يستفز شي جين بينغ الرئيس الصيني، من كان نجم قمة بريكس السنوية الخامسة عشر التي عقدت في جنوب أفريقيا 22 - 24 أغسطس 2023 م. وفي هكذا سباق، المستهدف أخذ مكانة أمريكا أو الفوز بالندية، حيث إن روسيا يطاردها شبح سوفيتي، والصين تدعم بوتين، لأجل إزاحته من السباق، باعتبار السوفييت تاريخا ولّى. بينما الهند/ مودي تظن أنه يمكن ما ليس ممكنا!، بعد نجاحها في إزاحة الصين من مكانة الدولة الأولي من حيث الكثافة السكانية، مع نجاحها في ارتياد الوجه المظلم للقمر.
2-
شاهدت أكثر من مرة الفيلم، أعجبني وما زال، مع حصده 27 جائزة مختلفة حول العالم، منها جائزة أوسكار. فيلم «بابل» إنتاج سنة 2007 م، للمخرج المكسيكي الأشهر «أليخاندرو جوانزاليس إناريتو»، تأليف «جيرموا أرياجا». تدور أحداث الفيلم حول صبيين يرعيان قطيع ماشية فى الصحراء الغربية المغربية، وفي أثناء سيرهما يجربان بالبندقية عدة طلقات، ولسوء حظهما تنطلق رصاصة بشكل خاطئ، لتصيب سيدة أميركية، وتلك الرصاصة تقلب الحياة رأسًا على عقب، فتغير مصائر أربع عائلات من ثلاث قارات مختلفة.

المشاهد تتنقل بين طوكيو ونيويورك، على ما أذكر، ولما تتنقل الكاميرا بينهما لم تكن تتعرف بسهولة على أنك في هذه المدينة أم تلك، التشابه حتى التماهي، فقط الوجوه البشرية ما تمنحك مُكنة أن تعرف أين ذا المشهد أو ذاك. أما السلوك البشري والأحداث فتقريبا متماهية. المخرج العبقري، عبر النقلات بين المشاهد والصور، يبين هذا التماهي بين طوكيو ونيويورك، وبين البشر فيهما.

«بابل» جعلني أنتبه إلى أن ما أشاهد عبر المحطتين الصينيتين بالعربية، وما مثلهما، هو مكان واحد وزمان أوحد، فإن الحياة الصينية، من خلال المسلسلات الصينية، لا تختلف عن الحياة الأميركية، حتى التفاصيل مشتركة، فالمدن الصينية نسخة أميركية. وكأنما في المحصلة أن اللغة صينية، لكن الحلم، الحلم الأميركي المشهور، وليس الفكر والأيديولوجيا الصينية غربية، شيوعية أو شيوعية رأسمالية فحسب، بل الحلم الصيني نفسه الحلم الأميركي. لذا فالحزب الشيوعي الصيني نموذجه الإمبريالية الأميركية، ويريد أن يرثها حية.

3-
هذه الأيام، والحرب الروسية للاستيلاء على أوكرانيا تستعر، فإن الدوافع تتأكد، فأطروحة بوتين صد الغرب، وحماية الأمن الروسي من هذا الغرب، الحليف من أجل مشروع روسيا الرأسمالية/الصين الشيوعية!، وكل منها أو معا يبغيان الوراثة. كنت أتابع الأخبار، دون أن أنقطع عن مشاهدة تليفزيونات هذه الدول، التي تحلم الحلم الأميركي، فكانت الخلفية التي أشاهدها أن الحرب ضد القطب الواحد، هي حرب من أجل المشاركة في الحلم الواحد. وما التباين المطروح، فالحرب قائمة إلا لأجل أن تكون روسيا أميركا أخرى، أي الشقيقة الثانية، وأن بكين نيويورك أخرى ليس إلا. فلقد توغلت الثقافة الأميركية في نخاع بوتين والحزب الشيوعي الصيني.

إن الحرب القائمة قائمة بين ذات أميركية منقسمة على نفسها!، منها ما يتحدث الروسية وأخرى الصينية. لكن التباين يوضح التشاكل والتداخل حتى درجة التماهي. والخطر الذي يواجهه العالم انشطار القنبلة النووية الأميركية، ففرانكشتاين قد تزوج دون إرادة المؤلفة البريطانية ماري شيلي (1797-1851 م). لقد خرج عن طوعها، حتى إنه تزوج وأنجب أيضا. وإذا كان فرانكشتاين من صنع المخيلة الغربية، فإن ما أنجب من صنع كابوس تلك المخيلة.

هذه حقيقة خلفية الحرب، القائمة الساعة في أوروبا، المنزوعة قشدة الفكر الغربي التنويري، فيكون التنازع الآن تحت شعار بالٍ «توازن الرعب». ما يكون هو حارس حقول الشوفان خيال مآتة الحرب. أقصد أننا في مرحلة ليس ما بعد الحداثة، المبشرة بموت الإنسان، وأن القيامة الآن فحسب، بل ما بعد توازن الرعب، ما بات حامي حمى الحرب الكبرى، المنشطرة لحروب صغرى، لم يكن مبتدأها حرب أوكرانيا، ولكنها خبر جهينة، الحرب اليقين. إن باب جهنم الموارب قد فتح على مصراعيه.