Atwasat

عودة إلى عودة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 27 أغسطس 2023, 01:48 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

في مقال سابق لي عنوانه «العودة إلى الماضي في الشعر والرسم« (الوسط https://alwasat.ly/news/opinions/354533?author=1)، تطرقت إلى ظاهرة هذه العودة في هذين المجالين من مجالات الحركة الثقافية الليبية، وربطت ذلك بشيوع «موجة المذهب الديني الوهابي، واجتياحها المنطقة العربية، باعتبار الوهابية مذهبا سلفيا نقليا يستدبر المستقبل، ميمما وجهه شطر الماضي، من خلال تمجيد السلف والحياة الغابرة»، مشيرا إلى أن «هذا الوضع خلق مناخا نفسيا عاما تسيطر عليه، بهذه الدرجة أو تلك، رياح تمجيد الماضي.
وفي خضم هذا المناخ نشأ الشعور لدى الشعراء بضرورة الارتباط بالماضي وجذوره».

وأوضحت أن هذا التأثير ليس مباشر وآليا، وإنما «هو غير مباشر وخفي». كما لا نعني أن الاستجابة له على صعيد الشعر واعية ومتعمدة، بل هي، غالبا، لاواعية ولا تصدر عن نية مبيتة في هذا الاتجاه، ومن هنا يتوافر في بعض هذه التجارب الشعرية بعد جمالي واضح.

كما أن مضامين هذه الأشعار لا تحتوي بعدا دينيا، وعودتها إلى الماضي تقتصر على متحها من قصائد الغزل والحب والعشق العربية، وتستخدم بعض جماليات الحداثة، مثل التكثيف اللغوي، والاتكاء على اجتراح المفارقة في نهاية القصيدة. أي أن «تأثير الموجة الدينية السلفية، الوهابية تحديدا، لا يمتد إلى التأثير في المضامين الشعرية ومضامين لوحات الرسم، وإنما يقتصر على العودة إلى ماضي القصيدة العربية واللوحة التشكيلية، وكذلك في الموقف المضاد للحداثة».

وهنا أريد أن أفصل في هذا الأمر، موضحا الفارق (غير الجوهري، ولكن المهم) بين موقف الحركة الوهابية، كحركة دينية، من الحداثة، وموقف متبني العودة إلى الماضي في الشعر والرسم من جانب دنيوي، فالوهابية تدعو إلى العودة إلى الحالة التي كان عليها الإسلام في زمن النبي ثم الخلفاء الأربعة الراشدين، أي العودة إلى ماض ديني في فترة زمنية من التاريخ وبقعة مكانية من الجغرافيا، قصد تأبيد هذه الحالة، قبل ظهور المذاهب الدينية، متناسية أن هذا مذهب جديد يضاف إلى المذاهب القائمة.

على حين أن العودة إلى الماضي في الشعر (الذي نقتصر على الاهتمام به هنا) يستهدف العودة إلى ماضي القصيدة العربية من حيث هي كلام موزون مقفى، منذ شعر ما قبل الإسلام وحتى القرن العشرين، فالعودة هنا عودة إلى تقليد تراثي يرتبط بشكل دون الارتباط بزمان ومكان محددين. إنه عودة إلى التراث (= الأصالة) التي ينبغي (على خلاف الرؤية الوهابية) أن تكون عابرة للتاريخ.

لكن ما يوحد الحالتين «الوهابية الدينية» والتراثية هو الموقف المضاد للحداثة. لكن هنا أيضا ثمة فارق في درجة هذه المضادة بين الجناحين. ففي حين تعادي الوهابية الحداثة وتكفر الحداثيين* تدير الحركة التراثية لها ظهرها فقط دون عداء صريح.

* نذكِّر بمنع حركة حماس في غزة جماهير الفلسطينيين هناك من التجمع تفاعلا مع عودة جثمان محمود درويش إلى أراضي السلطة الفلسطينية.