Atwasat

استحالة إصلاح المجتمعات العربية

عمر الكدي الإثنين 24 يوليو 2023, 05:05 مساء
عمر الكدي

كل ما يجري آلان في عدد كبير من البلدان العربية، يؤكد استحالة إصلاح مجتمعات هذه البلدان، ليس فقط بسبب عدم قدرة مكوناتها الاجتماعية على التوافق، فهذه الحالة مرت بها مجتمعات كثيرة، الإسبان مثلا لم يستطيعوا التوافق، وخلال الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936 كان الجمهوريون يذبحون الملكيين، وكان الملكيون يذبحون الجمهوريين في أي مكان يسيطرون عليه، ولولا وجود الجنرال فرانكو خارج البلاد وبالتحديد في الصحراء المغربية، حيث استعان بالفيلق المغربي لحسم الصراع لصالح الملكيين بمساعدة كبيرة من ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، وحتى الآن لا تزال مجتمعات أميركا اللاتينية تمر بهذه المرحلة سواء في البرازيل أو كولمبيا أو البيرو أو شيلي أو الأرجنتين أو فنزويلا، إلا أن هذه المجتمعات ستمر بسلام من عنق الزجاجة، عكس المجتمعات العربية التي لا يمكنها مغادرة هذه المرحلة إلا من خلال ثورة ثقافية تنهي فيه سيطرة الفقهاء وتحالفهم مع الأنظمة الحاكمة، وإعادة النظر في كل المناهج في جميع المؤسسات التعليمية، وتنقيتها من الفقهاء المحرضين على العنف والتكفير. أليس من المستغرب أن يطرد الشيخ علي عبد الرازق من الأزهر؟ لمجرد أنه قال إن الإسلام دين وليس دولة، ويحاكم طه حسين ونصر حامد أبو زيد لمجرد التفكير خارج الصندوق الذي اعتمده الفقهاء، في حين يُرفض تكفير تنظيم داعش.

ليس أمام هذه المجتمعات إلا قطع الصلة مع هذا التراث العنيف، الذي يدعوا للنقل وليس للتفكير، والذي يعادي الحرية والعدل والمساواة وتحقير المرأة وترويج العبودية، وإذا عدنا لتراثنا لماذا لا نعود إلى الفكر الذي مجّد العقل والذي مثله الجاحظ وأبو حيان التوحيدي والرازي وابن رشد وابن النفيس وابن حيان والبيروني والفارابي والكندي، على أن تكون هذه العودة عودة نقدية فاحصة، تنتقي ما يصلح لعصرنا وتستبعد ما يتعارض مع العقل وما تجاوزه الزمن. بهذه العودة نستطيع ربط ماضينا بحاضرنا ومستقبلنا، أما العودة إلى الفكر الظلامي فهي قفزة في الظلام، وترسيخ لقيم العبودية وتمجيد الجهل والخنوع والخوف من الإبداع، والإبداع هو ما نحتاجه للخروج من هذا الفخ التاريخي، الذي تحالف فيه الاستبداد مع قيم الظلام.

إسقاط الأنظمة السياسية وحده ليس كافيا لإصلاح هذه المجتمعات، ففي العصر الأموي تم ترسيخ عقيدة القضاء والقدر كما روج لها المرجئة، فالله ساق الخلافة لبني أمية قضاء وقدرا، وإذا حدث أي ظلم فلنرجيء الحساب إلى اليوم الآخر، أما في العصر العباسي فقد رسخت أصول الفقه، الذي حرم الخروج على ولي الأمر، بينما الصحابة الذين عاصروا عهد النبوة خرجوا على الخليفة ولم يكفرهم أحد.

السياسة مجال إنساني يفتح فيه الاجتهاد على مصراعيه، ويحتمل الصواب والخطأ والمعيار الذي يحدد ذلك هو إرادة الناخبين وليس الرجوع للفقهاء، وبالتالي لابد من إخراج هؤلاء من حقل السياسة ومن البرلمان، وأن يقتصر دور المساجد على الموعظة والدعوة إلى الفضيلة، فالسياسة حقل يختلط فيه الدهاء والرياء والكذب، وهي صفات لا تليق بالدين الذي يدعو إلى الصدق والأمانة، وإذا انحاز رجال الدين لأي تيار سياسي فسيطالهم ما يعلق بالسياسيين من رذاذ، أما إذا تحولوا هم أنفسهم إلى سياسيين فسيهدد هذه المجتمعات الاستبداد والظلامية، وهذا بالضبط ما يحدث في أفغانستان تحت حكم طلبان، وهذا ما تركه نظام الإنقاذ في السودان، ألم يقف مفتي السنة أحمد بدرالدين حسون مع بشار الأسد وهو يقصف شعبه بالبراميل المتفجرة؟، ولماذا لا ننظر إلى تجارب المجتمعات الإسلامية الناجحة في تركيا وماليزيا وإندونيسيا؟، ها نحن لا نعرف على وجه اليقين من سيفوز في الانتخابات التركية، بينما نعرف من سيفوز في الانتخابات العربية، وبالرغم من الخلفية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية التركي إلا أن زعماءه يتخلون عن مسوحهم الدينية عندما يدخلون إلى البرلمان، لأن أعضاء البرلمان يحاسبون الحكومة على ما فعلت في الاقتصاد والتعليم والصحة وغيرها من شؤون هذا الزمان، وليس على ما أعدّوه لليوم الآخر. بدون أن تكون لنا الشجاعة للقيام بذلك فيستحيل إصلاح هذه المجتمعات.