Atwasat

رؤية حول: الحقيقة والمكاشفة والمصالحة في ليبيا (2-2)

علي محمد نوح الثلاثاء 06 يونيو 2023, 03:54 مساء
علي محمد نوح

عناصر المصالحة
أولاً: المصالحة الفردية


إن منهجية المصالحة الوطنية يجب أن تعمل بصورة مكتملة، أي أن قول الحقيقة والمكاشفة دون تعويضات خطوة بلا معنى، وأن دفع تعويضات دون مكاشفة سيكون بنظر الضحايا محاولة لشراء ذمتهم. ولذلك المكاشفة والاعتذار والتسامح وجبر الضرر يمكن أن تكون أكثر شمولية فى المصالحة الفردية.

أسس المصالحة:

1- التصالح مع الذات (العقلانية، التواضع، المرونة، التسامح).
2- الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية والاعتراف بالعرف.
3- الحوار بين المتخاصمين.
4- الاعتراف بالذنب والوفاء بالعهد.
5- القبول بالتسامح والقبول بجبر الضرر.

ثانياً: المصالحة الشاملة أو الانتقالية

من أجل بناء الدولة وإصلاح المجتمع ومعالجة الانتهاكات الجسيمة السابقة، تعمل الدولة على تطبيق العدالة الانتقالية لكى يتحقق الاستقرار السريع والتوازن بين العدالة والتسامح وتجنب الانتقام. وهي عملية تصالحية تقوم بها الدولة من خلال سيادة القانون، وتشمل العدالة الجنائية والعرف الاجتماعى، وجبر الضرر.

جوانب العدالة فى المصالحة:

بالتأكيد لا يمكن النظر إلى العفو على أنه عدالة إذا فكرنا في العدالة على أنها فقط عقابية بحكم قضائي.
فالعدالة التصالحية لا تهتم كثيراً بالعقاب المباشر فهو لا يجلب تصحيحاً للاختلالات والاستقرار الاجتماعي، واستعادة العلاقات المقطوعة كما هو الحال مع ما يحدث من الشفاء والوئام بالمصالحة بين الجاني والمجني عليه.

كذلك ترتكز هذه العدالة على تجربة أهمية جبر الضرر وما يغطيه من ضرر لحق بالضحايا. في حين نجد الحكم القضائي يركز على معاقبة الجناة أكثر، وغالباً ما يعود «الجاني» إلى تكرار الجريمة ذاتها أو يجري الثأر منه بالعنف بعد العقاب القضائي.

لذلك مسألة الإفلات من العقاب في العدالة التصالحية غير دقيقة. يجري التعامل مع الطلب في جلسة استماع علنية وتقديم اعترافات «الجاني» عن الفعل المطلوب العفو عنه. تخيلوا ماذا يعني هذا؟. يظهر «الجاني» نفسه أنه جلاد وقاتل أو محتال، هناك ثمن يتعين دفعه. الكشف العلني يؤدي إلى فضح «الجاني» ويعلم المجتمع أن هذا الرجل غير سوي وهذا أسوأ عقاب له. إن العفو ثمنه باهظ يجب أن يدفعه الجاني.

منهجية العدالة الانتقالية:

1- المحاكمات فى الجرائم المتعلقة بحقوق إنسان والتي تحددها لجان الحقيقة وهي لجان مؤتمنة وتعمل بشكل سري من خلال ثوتيق شهادات الضحايا والمجرمين المتعاونين وما جرى جمعه من خلال نشطاء حقوق الإنسان غير المسيسة.
2- إجراء إصلاحات في النظام التشريعي والقانوني بالدولة وتطهير المؤسسات الأمنية ومؤسسات الدولة الأخرى من المسؤولين غير الأكفاء ومن ارتكب فظائع وجرائم ضد المجتمع.
3- إجراء عمليات العفو وجبر الضرر.

الفرق بين المصالحة الفردية والشاملة:

المصالحة الفردية بطيئة ولكنها تفي بكافة الحقوق وتنهي الخلاف كلياً بين المتخاصمين وتركيزها على بناء المجتمع مما يسمح ببناء الدولة، بينما المصالحة الشاملة تنفيذها أسرع وقد لا تفي بكافة الحقوق وتركيزها على بناء الدولة سياسياً واقتصادياً.

تطبيق العفو وجبر الضرر:

تتولى لجنة المصالحة والعفو النظر في طلبات العفو المقدمة لها من قبل المدعى عليهم والنظر في الآثار المترتبة عليها. هناك العفو العام والعفو الفردي. من تجربة جنوب أفريقيا أنها اختارت العفو الفردي وليس العفو الشامل. ويعتقد أن العفو الفردي أثبت قيمته. وكانت من المعايير الواجب استيفاؤها قبل منح العفو هي الكشف الكامل عن الحقيقة.
أي يجب على مقدم الطلب أن يعترف بمسؤوليته عن الفعل المطلوب العفو عنه وضمان منحه الحرية والسماح وإغلاق ملف القضية مقابل الحقيقة، وقبول الطرف الآخر مبدأ قبول الاعتذار وجبر الضرر. ويكون هذا الاعتراف على مرأى ومسمع الرأي العام . أما العفو الشامل فيسرى على من شاركوا في حروب عادلة من أجل الوطن، ما لم يرتكبوا انتهاكات تمنعها التشريعات أثناء الحرب.

عمل لجنة المصالحة والعفو:
الجانب التنظيمي:


- إنشاء وحدة تحقيق تساعد في التحقق من الأقوال التي أدلى بها الضحايا الذين كانوا يدلون بأقوالهم في جلسات الاستماع وذلك من خلال الشهود وجمع الأدلة.
- إنشاء وحدة البحوث من أجل المساعدة في التحليل ووضع سياق للكم الهائل من البيانات والأدلة والمعلومات التي استلمتها اللجنة.
- إنشاء وحدة العفو وسوف تكون أحد أهم مصادر المعلومات فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يقدمها مقدم الطلب للعفو والكشف بشكل كامل عن جميع الحقائق ذات الصلة.
- على اللجنة الاستعانة بكمية المعلومات الهامة والأدلة في الجلسات التي عقدتها لجنة انتهاكات حقوق الإنسان والمراكز الأمنية والقضائية المحلية والدولية حسب القضية.

آلية عمل اللجنة:

- يجري عمل اللجنة لفترة زمنية من ثلاث مراحل: «مرحلة جلسات الاستماع»، «مرحلة جمع ومعالجة البيانات والتحقق»، «ومرحلة العفو». ويمكن تحديد وجدولة المدد الزمنية لها.
- إجراء جلسات الاستماع للمدعى عليهم والضحية أو من ينوب عنهم والشهود للإدلاء بشهاداتهم في الأماكن العامة. وللجنة اختيار ما إذا كان الشخص قد يظهر علناً أم لا مع توفير الحماية لهم.
- للجنة حق التعاون مع أولئك القادرين على تقديم خدمات استشارية من خبراء في مجال حقوق الإنسان على المستوى المحلي والخارجي من خبراء أدلة، ومسؤولين لوجستيين، السكرتارية والمحققون.
- عقد جلسات استماع وورش عمل خاصة لتحديد أنماط الانتهاكات التي يتعرض لها الأفراد والمجموعات.

- عقد جلسات الاستماع للمؤسسات (أمنية، إعلامية، مالية، اجتماعية، دينية) وذلك للحصول على أدلة واستكشاف كيف أسهمت هذه المؤسسات المختلفة في الصراع.

وحول دورها في ارتكاب أو مقاومة أو تسهيل انتهاكات حقوق الإنسان.
- إقامة ندوات وورش عمل وإعطاء الفرصة للأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية وحقون الإنسان لعرض وجهات نظرها حول أسباب وطبيعة أحداث الصراع، ودورهم وسرد مسؤوليتهم عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

مرحلة الاستماع:

- استلام طلبات التقدم للحصول على العفو الفردي أو من يمثل المؤسسات الضالعة فى الصراع.
- إجراء جلسات الاستماع للضحايا والجناة والمؤسسات ذات العلاقة.

مرحلة جمع البيانات والأدلة:

- إجراء عملية المعالجة والتحقق وتحليل البيانات الواردة من جلسات الاستماع والأطراف ذات الصلة من الجانب الإداري والقانوني ووضع التوصيات حيالها.
- الحفاظ على المعلومات بطريقة آمنة ومحمية من السرقة أو الإساءة، وأن يكون التحليل المطلوب بدقة ليعكس المعلومات الواردة في البيانات.
- يمكن الاستعانة مثلا بمشاريع بيانات حقوق الإنسان لتصميم قاعدة البيانات وكذلك لجنة المصالحة بجنوب أفريقيا ولجنة الأمم المتحدة للحقيقة.
- تقديم التقرير النهائي بالبيانات المتاحة قانونياً، والتحليلات اللازمة للوفاء بعملية المصالحة والعفو إلى هيئة المصالحة.

مرحلة العفو:

- عقد جلسات الاستماع الخاصة «للضحية» و«الجاني» والتركيز على الأبعاد العلاجية والتصالحية من خلال البيانات التي جرت معالجتها وتحليلها والتوصيات المرفقة.
- مراجعة طلبات العفو وتقييم الضرر وتحديد قيمته.
- تقديم تقرير نهائي بعمل اللجنة وملف قانوني يستند إلى جلسات الاستماع بالعفو إلى هيئة المصالحة التي بدورها تحيله للجهات المعنية بالدولة.

معوقات المصالحة الوطنية
1- وجود السلاح في أيدٍ غير مسؤولة.
2- عدم قدرة الدولة على إلزام بعض الأطراف المتعنتة دون وجه حق لضعف المنظومة القانونية والأمنية.
3- عدم قدرة الدولة من الجانب المؤسساتي لاتخاذ القرار المالي لدفع التعويضات وجبر الضرر.
4- تسييس المصالحة.