Atwasat

الحبل على الجرار

جمعة بوكليب الأربعاء 26 أبريل 2023, 12:02 مساء
جمعة بوكليب

انتهت دوشة، أو بالأحرى حُوسة عيد الفطر السنوية بسرعة مثل ما بدأت. لكن هذه المرة، وعلى عكس ما سبق، لم ينته معها «عرس حمد» كما كنا نأمل؛ بل ازداد الردح والهرج وأصبح «ربخ على المكشوف». والحبل على الجرار.

وبلا كثير لف ودوران، عرفنا، نحن الليبيين، أن الفأس انغرست في الرأس. وأن الأزمة التي أوجدها الصراع المهلك على السلطة في ليبيا بعد فبراير 2011، فرّخت وتكاثرت، وأضحت أزمات: أزمة تلد أخرى، على غرار حرب تلد أخرى. والأزمات طالت كل قطاعات الحياة. وتبين أن أزمة رؤية هلال شهر شوال قديمة وباقية. وأن بقاءها مرهون ببقاء من يعملون باستمرار على سكب البنزين على نارها، كلما أحسوا أنها خمدت قليلاً.

وما حدث من خلاف واختلاف في الأيام القليلة الماضية حول رؤية هلال شوال، وما تسبب فيه من فوضى وإرباك (وحذف بالشلايك) في صلاة العيد بميدان الشهداء بطرابلس، لم يترك لدينا شكا في أن البلاد ليست مقسومة فقط، بل (مفلوقة على ستين) إن كنتم لا تعلمون. وأن النخب الدينية من فقهاء ومشائخ وعلماء هم من كانوا وراء الفتنة، بتسييس الدين، وبانحيازهم لميولهم السياسية، دعماً لهذا الطرف أو ذاك. وهم من يتحملون وزر ما حدث، وتقع على عواتقهم المسؤولية. وبالتأكيد، يستثنى منهم أولئك الذين ابتعدوا بأنفسهم، ترفعاً عن أوحال الصراع السياسي، وفضلوا الانزواء في بيوتهم. وهم كثر.

فرحة العيد بطبيعتها قصيرة زمنياً. وبعدها يعود الناس إلى ما اعتادوه من روتين في حياة يومية، تاركين وراء ظهورهم حوادث كثيرة، رغبة في نسيانها، حتى لا تكون حائلاً بينهم وبين ممارسة حيواتهم كما يجب. والحادثة الأخيرة لن تختلف عن سوابقها، وستحظى بنفس التجاهل حتى تنسى. وبالطبع، احتمال تكرارها مستقبلاً أمر وارد جداً، لبقاء أسبابها. وطالما واصلت النخب الدينية الإسلامية إصرارها على رفض الاستعانة بما وفره العلم من وسائل متقدمة تقنياً، تسهّل مهمة رؤية هلال العيد، وأهلة كل الشهور القمرية بسهولة ويسر ولا تتعارض وأحكام الشريعة.

والحقيقة التي لا مفر لنا جميعا من مواجهتها، هي أن الانقسام في ليبيا لم يعد مقتصراً على الانحياز إلى طرف في الصراع السياسي دون آخر، أو إلى جماعة مسلحة دون أخرى. نحن حالياً ندخل بعيون مفتوحة في نفق انقسام مذهبي ديني أشد عتمة وفتنة. وكأن ما لدينا من هموم وأحزان ومشاكل وأزمات، من كل الأنواع والأحجام، لا يكفي. أو كأننا في حاجة إلى حمل ثقيل آخر، يوضع على أكتافنا، لكسر آخر ما تبقى من عظام في ظهورنا، نجت من الكسر في حروب وفتن الأعوام الماضية. ولا أعرف بعد كل الذي حدث أخيراً، كيف يمكننا رتق الثقوب في الثوب، وهي كثيرة. ومن سيتكفل بذلك، في غياب كامل لمبدأ المصالحة والتوافق؟ وماذا بمقدور المجتمع الدولي، ممثلاً في هيئة الأمم المتحدة فعله، باستثناء إصدار تلك البيانات الباهتة؟ وكيف سيجرؤ في الأيام المقبلة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة السيد عبد الله باتيلي على الظهور والإدلاء بتصريحات أمام وسائل الإعلام، حول ضرورة إجراء انتخابات رئاسية ونيابية في نهاية هذا العام، في بلد تبين بما لا يدعُ مجالاً لشك، أنه «مفلوق على ستين». وأن من فرضوا أنفسهم على الشعب شرقاً وغرباً وجنوباً بقوة السلاح قد أحرقوا منذ زمن الجسور خلفهم، ولم يتركوا جسراً واحداً للرجوع والاحتكام إلى نور العقل والمصالحة.

ولا أذيع سراً بقولي إن المشكلة التي نعانيها في ليبيا منذ أعوام، لا تتمثل حقيقة في خلاف على رؤية هلال شهر قمري من عدمه. هذه المشكلة تحديداً تعودنا عليها وتعودت علينا، وليست قصراً على ليبيا. بل المشكلة أعمق بكثير، وكلنا نعرف ذلك، ونعلم بالأسماء المسببين لها. وكما أن حدودنا الجغرافية قد انمحت وصارت البلاد نهباً لكل من هب ودب، من تجار مخدرات، وتجار تهريب السلاح والبشر والنفط والسلع والبضائع والعملة، طال الأمر قطاعات الحياة الأخرى بلا تمييز. وصار اللعب على المكشوف: «رومي والا نكسر قرنك».

وبالطبع، فإن ضعف الوازع الوطني، واضمحلال نفوذه تدريجياً بمرور الوقت، لا بد أن ينعكس على سلوك الناس وتصرفاتهم، وفي مختلف مظاهر الحياة. والحبل على الجرار.