Atwasat

الشرق الأوسط يبتلع إسرائيل

عمر الكدي الإثنين 03 أبريل 2023, 07:10 مساء
عمر الكدي

تمر إسرائيل هذه الأيام بأكبر أزمة سياسية واجتماعية منذ ظهورها قبل 75 عاما، وهي أزمة ليست فقط بسبب الخلاف حول المحكمة العليا، وإنما هي أعمق بكثير بحيث تهدد وجودها المفارق. تأسست إسرائيل على كذبة ضحدها علماء آثارها الذين لم يعثروا على أثر واحد يدل على وجود داوود وسليمان، كما لم يعثروا على أي دليل على وجود الهيكل الموعوم، لدرجة أن أهم علمائهم، إسرائيل فنكلشتاين، اعتذر لسليمان، قائلا للأسف لم أجد أي أثر لك في فلسطين، كما لم يعثروا على أي دليل على وجود بني إسرائيل في مصر، وخروجهم إلى سيناء وانتصار يوشع بن نون على الكنعانيين.

الذين أسسوا إسرائيل كان معظمهم من العلمانيين القوميين، جاءوا من أوروبا الشرقية والغربية، ولم يكونوا مقتنعين بما يقوله الحاخامات، ولكن كان همهم تأسيس وطن لليهود بعد معاناتهم المريرة في الحرب العالمية الثانية، وقبل ذلك عزلهم في الجيتوات بأمر من بابا الفاتيكان، وهو الهدف الذي تكفلت به الحركة الصهيونية بدعم من بريطانيا التي كانت تحتل فلسطين. الأوروبيون المسؤلون على محرقة اليهود دعموا الكيان الجديد للتخلص من اليهود وجيتواتهم، والولايات المتحدة لم تر بأسا في ذلك وهي التي أسست كيانها على أشلاء عشرين مليون هندي أحمر، أما الاتحاد السوفياتي فلم يبخل على الكيان الجديد بالمهاجرين، وهو معجب بالتجربة الاشتراكية في الكيبوبتسات، فإذا كان الحاخامات قد اعتمدوا على ما كتبه عزرا الكاتب في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، فإن أمريكا والاتحاد السوفييتي اعتمدا على ترهات ايديولوجية في بداية الحرب الباردة، وهكذا ساهم القطبان في خلق فرانكشتاين.

لا أحد يشكك في ديمقراطية إسرائيل، فهي فعلا الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ولذلك تمكنت من الانتصار على كل هذا الشرق فرادى ومجتمعين، ولكن يبدو أن هذا الشرق العجيب في طريقه لابتلاع إسرائيل، مثلما يبتلع الثقب الأسود كل ما يقترب منه من كواكب أو نجوم، فعندما تأسست إسرائيل كانت نسبة العلمانيين 82%، أما اليوم فنسبتهم 42% وهذه النتيجة انعكست في كل الانتخابات الأخيرة منذ خروج حزب العمل من السلطة، وهو الحزب الذي أسس الدولة والجيش وانتصر في كل الحروب وأشرف على صناعة القنبلة الذرية.

اليوم، بغض النظر عن نتائج المظاهرات الصاخبة التي شهدتها شوارع اسرائيل، تستعد البلاد لتسليم قيادتها لأكثر الأحزاب والحركات المتطرفة في تاريخها، بينما يطالب العلمانيون بكتابة الدستور فورا خوفا من تغول الأحزاب الدينية واليمينية، فإذا كان بن غوريون رأى أن كتابة الدستور لحظة تأسيس الدولة غير ضروري، فقد يؤدي لانقسام حاد بين المتدينيين والعلمانيين، كما أن الدستور سيحدد حدود كيان لا يكف عن التوسع، فإن كتابته اليوم ستعجل بالخلاف بين الطرفين، فالمتدينون واليمينيون لا يريدون دستورا علمانيا وبيدهم الكتاب المقدس، واليمينيون لا يريدون دستورا يضع خريطة لدولتهم وخاصة بعد ظهور وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بجانب خريطة تضم اسرائيل وهي تبتلع الأردن، وهو يقول أنه لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني وهو اختراع عمره مائة سنة.

هل سنشهد ربيعا عبريا على غرار الربيع العربي، ينتهي بحرب أهلية بين المعسكرين، أم أن الجيش سيتدخل وينهي الديمقراطية الوحيدة في هذا الشرق؟.
يبدو أن الأساطير المؤسسة للديانة اليهودية لن تتفكك إلا في مثل هذا الكيان، فمثلما يتصارع العلمانيون والمتدينون المسلمون بالحديد والنار، سيتصارع اليهود بالحديد والنار أيضا لنفس السبب، فالديمقراطية التي كانت في إسرائيل هي ديمقراطية شكلية، منذ أن نادى الإسرائليون بيهودية الدولة، أي أن السكان الأصليين من مسلمين ومسيحيين هم خارج هذه الديمقراطية، كما أن هناك تراتبية حادة في المجتمع الإسرائيلي الذي يقف على هرمه اليهود الاشكناز الأوروبيون والروس، ثم اليهود السفرديم القادمون من الدول العربية وتركيا وإيران والهند، ثم يهود الفلاشا، وأخيرا عرب الـ 48، ولا أستغرب إذا ظهر جنرال ليطبق حكما فاشيا ويمنع الأحزاب الدينية من العمل، وقد يضطر لشن حرب على إيران أو حزب الله وحماس، وفي المحصلة النهائية فإن الشرق الأوسط بكل تركيبته العرقية والاعتقادية قد تمكن من ابتلاع إسرائيل، ولن تتمكن إسرائيل من ابتلاع ما حولها، فمن يقودها اليوم سياسيون تافهون أمثال الفاسد الهارب من المحاكم نتنياهو، الذي وجد في صنوه الأمريكي الشعبوي دونالد ترامب خير حليف، ولكن انهيار إسرائيل ستكون له عواقب خطيرة، فهي دولة نووية قبل أن ينهار المعبد على رأسها لابد من تطبيق خيار شمشون، وهو يصرخ علي وعلى أعدائي يا رب، وعندها سيختفي الشرق الأوسط بكل أساطيره في الثقب الأسود لينبعث بعد زمن من جديد.
سرق أحبار اليهود معتقداتهم كما ظهرت في العهد القديم من حضارات بلاد ما بين النهرين خلال فترة أسرهم. هذا ما يؤكده الباحث العراقي الدكتور خزعل الماجدي في كتابه "أنبياء سومريون"، فقد وجد الماجدي تطابقا عجيبا بين عشرة ملوك سومريين وأنبياء بني إسرائيل العشرة من آدم إلى نوح، كما أكد الباحث اللبناني الدكتور كمال صليبيا أن التوراة أتت من جبال عسير، في حين يقول الباحث العراقي الدكتور فاضل الربيعي أن التوراة أتت من اليمن، ولا يمكن لهذه المعتقدات أن تتفكك إلا بحرب بين المتدينين والعلمانيين، فإذا كانت إيران الرسمية تنتظر المهدي المنتظر، واليهود في انتظار المخلص الماشيح، والمسيحيون في انتظار عودة المسيح، فإن هذه المعتقدات لا يمكن تفكيكها إلا في الشرق الذي أنجبها، ليتحول هذا الشرق إلى ثقب أسود يبتلع الجميع، إلا أن الفيزياء الكونية تؤكد أن الثقب الأسود هو بداية لنظام شمسي جديد سيحدث بعد انفجار هذا الثفب.

نحن في انتظار وزير الأمن القومي الإسرائيلي ايتمار بن غفير لتأسيس الحرس الوطني، وعندها سيكون للمتدينين والفاشيين الإسرائليين قوتهم المسلحة في مواجهة جيش العلمانيين ليتكامل الربيع العبري.