Atwasat

ديماغوجيا

صالح الحاراتي الخميس 08 سبتمبر 2022, 01:35 مساء
صالح الحاراتي

هو أسلوب لإقناع الآخرين بالاستناد على مخاوفهم أو أفكارهم المسبقة.. والديماغوجيا كمصطلح سياسي يعنى باختصار.. «خداع الجماهير في الخطابات السياسية أو البيانات الرسمية» من خلال تملق الرأي العام للحصول على موافقتهم على قرار ما أو تمرير مشروع ما، وذلك بالشعارات الرنانة وتملق الطموحات والعواطف الشعبية، بهدف الحصول على تأييد الناس، وغالبا ما ينتشر هذا النوع من الخطابات في الدول ذات أنظمة الحكم الشمولي الاستبدادي.

خلاصة القول أن «الديماغوجى» هو الذي يسعى لاجتذاب الناس إلى جانبه عن طريق الوعود الكاذبة، وتشويه الحقائق، ويؤكد كلامه مستندا إلى شتى فنون الكلام وضروبه مع الشعارات الفضفاضة، ولكنه لا يلجأ إلى البرهان أو المنطق، بمعنى أنه يخاطب عواطف الناس ولا يخاطب عقولهم، وينجح في استخلاص مواقفهم المؤيدة لأهوائه وأهدافه.

سمعت في الأيام الماضية على فضائية «يقال أنها ليبية» وبلسان أحدهم يقول:
نريد دولة مدنية بمرجعية الوحي!!

تفاجأت بهذه الجرأة على الخلط والتدليس، رغم أني لا أصادر أي رأي، ولكن رأيت من المهم أن نتناول باختصار من خلال البحث والتمحيص ذلك القول حتى يتبين لنا مدى معقولية جوهره أو فساده، لأن هذا الخطاب الديماغوجي هو استمرار في تلفيق ما لا يقبل التلفيق.. وضرورة التأكيد في هذا السياق على حقيقة مفادها (أن تكون ضد ما يسمونه دكتاتورية العسكر فإن ذلك لا يعني القبول أو الإقرار بـ «الأصولية» كبديل).

والسؤال هنا.. ما هي تفاصيل مرجعية الوحي التي تخص ماهية النظام السياسي؟ خاصة أنه لم يرد في نصنا المقدس تبيان لشكل نظام الحكم الذي يرتضيه الخالق لنا.. لا نجد في تلك العبارة إلا الخلط المتعمد، فقائل تلك العبارة يعلم ويعرف أنه ليس هناك إلا آيتان أو بالأحرى مقطعان في آيتين، يمكن الاعتداد بهما في مجال إدارة السلطة وهما: «وأمرهم شورى بينهم»، «وشاورهم في الأمر»..

وإذا اعتبرنا أن الشورى بمعناها العام تعتبر ضمن ما يسميه بمرجعية الوحي، فالحديث عن معنى الشورى وكيفية ممارستها وما هي آليات هذه الممارسة، هو حديث ظني (واهم)، ورغم وجود البعض القليل الذى يساوي بين الشورى والديمقراطية؛ ولكن وعبر تاريخنا نتذكر أن غالبية الفقهاء لم يكونوا يرون في هذه الشورى رغم ضبابيتها لازمة من لوازم الحكم وملزمة للحاكم إلا في شكل ما أسموه بجماعة الحل والعقد الذين يختص «الحاكم» بتعيينهم دون أن يكون ملزما بمشورتهم ولا الأخذ برأيهم.


أما إن كان المقصود بمرجعية الوحي الدعوة لمكارم الأخلاق والاستقامة.. فذلك أمر لا جدال فيه، أما المعنى الحقيقي للدولة الوطنية المدنية وكما هو معلوم ومطبق في دول ومجتمعات أخرى فهي (تنأى عن خلط الدين بالسياسة) تنزيها للدين من عبث السياسة.

 وتعتبر الدين عاملا أساسيا على المستوى الفردي، أما الدولة فواجبها حماية حق مواطنيها في التعبد بما يشاءون، بحيث يظل الدين في الدولة عاملا أساسيا في بناء الأخلاق وفي خلق الطاقة للعمل والإنجاز والتقدم.. تلك هي وظيفة الدين في كل المجتمعات الحرة.

ويبقى جوهر الدولة المدنية هو القبول بالتعددية واحترام الرأي الآخر وسيادة القانون والدستور وتداول السلطة والفصل بين السلطات وفتح المجال العام لحرية الرأي والتعبير والاعتقاد والمساواة بين كل المواطنين دون تمييز وبصرف النظر عن جنسهم أو لونهم وعرقهم ومذهبهم ودينهم.