Atwasat

«طاجين»

صالح الحاراتي الأحد 28 أغسطس 2022, 11:57 صباحا
صالح الحاراتي

في الأصل وقبل تطور صناعة أدوات الطبخ، الطاجن أو الطاجين هو آنية طينية لتحضير الأكل ويتكون إناء الطاجن التقليدي كلياً من الطين، ثم تطورت صناعته وأصبح يصنع من عدة معادن منها الألومنيوم وغيره بل وصار يُطلى من الداخل بمواد تمنع التصاق الطعام به.. في لهجتنا المحلية وإضافة إلى الوصف السابق يقصد بالطاجين ليس الإناء فقط ولكن ماهية الأكل الموجود به.. فيقولون «طاجين حوت» «طاجين دجاج»... إلخ.

أما هذه السطور فتهتم باستخدام لفظ «طاجين» في لهجتنا المحلية للتعبير عن معنى آخر وحالة معينة تعني «الاستغفال والخداع».. فعندما يقال لك كلام لدفعك لفعل غير محمود العواقب، ينبهك من يهمه أمرك ويقول لك احذر إنه «طاجين».. أي ينبهك لكي لا تتورط في ذلك الأمر.

وفي تقديري أيضاً أن المعني المقصود هو «الاستدراج» الذي يعني لغة «حمل الشخص على أن يفعل شيئاً بالإغراء أو الحيلة».. ولذا «الطاجين» بالمعنى المجازي وحسب لهجتنا الليبية يعني استدراجك إلى مهلكة من خلال خِدعة وحيلة، وهي الوسيلة التي يلجأ إليها عدوك للتمكُّن منك، أو لحصاد منفعة ما.

قد يقول البعض أن الاستدراج نوع من الإكراه الخفي ولكن الرأي المقابل يقول أن استدراج أي شخص لا يصل بأي حال من الأحوال إلى مرحلة الإكراه الذي يعدم الإرادة، بل يقتصر على إغرائه على ارتكاب ذلك الفعل، والذي كان عليه ألا يستجيب له.

حاولت أن أعرف ما العلاقة يا تُرى التي ربطت بين «الطاجين» والخداع والاستغفال والاستدراج والتوريط والسبب الذي استوجب اجتراح ذلك المعنى في لهجتنا المحلية؟.

لم يتضح لي سر العلاقة ولا سر دخول كلمة «طاجين» للتعبير عن كل ما ذكرناه.. ولكن ربما المقصد أن «الطاجين» بمكوناته المتنوعة التي تنال وتستحق الإعجاب عند رؤيته قبل دخوله للفرن، قد تتغير نتيجة الإعجاب لأنه سيذهب إلى نار الفرن وقد يحترق في الفرن! فتكون تلك النهاية السيئة التي يحذرون منها.

في العلاقات الاجتماعية يكون الاستغفال مقبرة للعلاقات، إنه شعور مؤلم بأن تشعر بأن من يستغفلونك يعتبرونك ساذجاً، فأسوأ ما قد تشعر به أن تشعر بأنك مُستغفَل.

وتقديري أن هناك فرقاً بسيطاً بين الاستغفال والكذب، ولكن كل شخص يستغفل من حوله هو كاذب، لأنه أظهر لهم شيئاً وأخفى شيئاً آخر، تماماً كما النفاق.. والاستغفال هو الاستخفاف بعقول الآخرين وخيانة ثقتهم.

ولتقريب معنى «طاجين» يمكن أن نستدعي ما يروى عن أن السفيرة الأميركية قالت لصدام حسين

عندما علمت بنيته غزو الكويت أنه ليس هناك اتفاقية دفاع مع الكويت مما بعث الاطمئنان في نفسه فقام بالغزو وجرى استدراجه للمحرقة بعد أن تدخلت أميركا وحلفاؤها وكانت الضربة القاضية لنظام صدام في العراق حينها.

وفي سياق استخدام الحيل والخداع لا بأس من الإشارة إلى ما يسمى بـ«الحيل الست والثلاثين» وهي مجموعة من الحيل أو التكتيكات من التراث الصيني يمكن استعمالها في السياسة أو في الحياة اليومية.. وتعتبر الثقافة الصينية استعمال الحيل والتفطن لها أمراً (إيجابياً) على عكس العديد من الثقافات الأخرى التي ترى استعمال الحيل أمراً لا أخلاقياً.

كيف يجري استدراجك للطاجين؟
أو كيف يجري «جرك للدخول في
ورطة»!؟

هناك أحد التفسيرات الأولية
حول سهولة الخداع والتضليل تقول.. إننا نميل بشكل عام إلى توفير الجهد والوقت، حيث تفضل أدمغتنا اللجوء لأول ما يتبادر لها عوضاً عن بذل الجهد في التحليل والتمحيص والتدقيق لكل ما يقال.. ويفترض أن معرفة هذا العيب في طريقة تفكيرنا، ستساعدنا، على الأقل، في الانتباه أكثر عندما تكون هناك محاولات لخداعنا. الأمر يستحق دائماً التوقف والتساؤل كي نتأكد مما نسمعه أو نقرأه، فربما ما نتبناه ليس له أساس، وننجو حينها من الطاجين.