Atwasat

أمل من نافذة الخال ميلاد

مروان الطشاني الأحد 29 مايو 2022, 04:14 مساء
مروان الطشاني

فجأة تغير شريط الأخبار واختفت العناوين المعتادة، فلم نسمع عن جولات جديدة للدبيبة في طرابلس، ولم نرَ محاولات أخرى من باشاغا لدخولها، ولم نهتم بتفاصيل محادثات القاهرة بين وفدي مجلسي النواب والدولة، وأخيرًا لم نشاهد في التلفاز زيارة صامتة جديدة لرئيس المجلس الرئاسي.

فقد تصدر اليومين الماضيين خبر مختلف، وانتشر في جل الصفحات والمواقع الإخبارية والصحفية، وهو فوز الأديب الليبي الشاب محمد النعاس بجائزة البوكر العربية عن رواية «خبر على طاولة الخال ميلاد»، وهو خبر أسعدنا وأثلج صدورنا جميعًا.

فوز النعاس لم يكن فوزًا عاديًا لعمل أدبي مكتوب بإتقان، وحاز رضا وقبول لجنة التحكيم فقط، وأيضًا ليس نجاحًا لرواية ليبية كتبت بقلم شاب وبأسلوب لافت وبلغة أدبية حديثة ومميزة. وأيضًا ليس لأنها طرحت تساؤلات ثقافية وحقوقية حول حقوق المرأة ونظرة المجتمع الجندرية.

فلايمكن أن ننطر لهذه الجائزة من هذه الزاوية فقط، لأننا سنبخسها حقها من الاهتمام والتأثير اللازمين. علينا أن ننظر لها من عدة زوايا ونرصد آثار هذه الجائزة وانعكاساتها الإيجابية وما أرسلته من رسائل كلها أمل وتفاؤل.

فالرسالة الأولى التي أرسلها النعاس لكل العالم أنه ربط اسم ليبيا بالإبداع والأدب والثقافة في كل المواقع الإخبارية والصحفية.

 فالبارحة قال النعاس للعالم هذه ليبيا، بلد الطيوب وليست أرض صراعات وحروب، هذه ليبيا موطن الجهاد والتاريخ وليست بلدًا يتنازع فيه الساسة ويتقاتل فيه الشباب.

لقد أذاع النعاس الخبر في كل مكان، وقال للعالم إنه ينتمي لدولة على ضفاف «المتوسط» اسمها «ليبيا»، لها إرث أدبي وتاريخ ثقافي، ويمتلك أبناؤها وبناتها مواهب مميزة ولديهم القدرة على كتابة الرواية والشعر بمهنية عالية، لكنكم للأسف لا تعرفونهم.

هذه الجائزة كأنها تذكر العالم بأن الشاب الليبي ليس ذلك الميليشياوي الشرس الذي يرتدي ملابس مدنية بشعر منكوش ولحية غير مهذبة، بل هناك شباب ليبي مختلف، شباب ليبي مبدع ومتحمس ولديه الرغبة لإبراز مواهبه متى لاحت له الفرصة المناسبة.

إن انعكاسات هذه الجائزة ليست في ساحة الأدب والثقافة فقط، بل هي تتخطى ذلك لتنعكس في مجالات أخرى كالهندسة والطب والعلوم وغيرها، وتجعل كل شاب أو شابة يمتلك موهبة ما سيؤمن بحظه وقدرته على النجاح، وسيرى أن النعاس لا يتميز عنه في شيء، فهو يشبهه، فقد درس في ليبيا وعاش فيها لكنه لم يلعن حظه، بل أطلق العنان لموهبته.

كما سلطت الجائزة أيضًا الضوء على الأدب الليبي والرواية الليبية وجعلت الكثير من المهتمين بالأدب والثقافة من دول الجوار يسعون للاطلاع على موروثنا الأدبي والروائي، ويتساءلون عن الكتاب والمبدعين الليبيين ويرغبون في معرفة البيئة الثقافية والأدبية التي أنتجت هذا المبدع.

ولا أخفيكم سرًا أنه منذ فوز النعاس بالجائزة وأنا أتلقى اتصالات ورسائل إلكترونية من أصدقائي في مصر وتونس والمغرب ولبنان والكويت يرغبون في الاطلاع على رواية «الخال ميلاد»، وعلى غيرها من الروايات، ويطلبون مني عناوين روايات ليبية مشهورة حتى يتمكنوا من اقتنائها وقراءتها والتعرف على الأدب الليبي الذي يجهلونه.

وكنت سعيدًا جدًا وأنا أحدثهم عن «علكة» منصور بوشناف و«سجنيات» عمر الككلي و«زرايب» نجوى شتوان.

 وانتشيت فخرًا بذكر إبداعات أحمد إبراهيم الفقيه في الثلاثية، واستمتعت وأنا أصف لهم شوارع بنغازي وأهازيج النادي الأهلي، كما رواها محمد الأصفر في روايته «ركلة جزاء».

بل إنني تجاوزت ذلك وحدثتهم عن مبدعين ليبيين يكتبون باللغة الإنجليزية وأعمالهم تترجم لعدة لغات، فحدثتهم عن روايات هشام مطر وقصائد خالد مطاوع.

لقد كانت فرحة الليبين بهذه الجائزة كبيرة، فقد فتحت لهم باب الأمل والتفاؤل، وذكرتهم بأنهم قادرون على النجاح متى امتلكوا الموهبة وآمنوا بحظوظهم وتمكنوا من تجاوز التحديات التي تعيق انطلاقتهم.

فوز النعاس جعلنا نتجاهل انقساماتنا وجهويتنا، ونتجاوز الأسئلة المملة من قبيل: هل هو شرقاوي؟ أم غرباوي؟عربي؟ أم أما زيغي؟ إلى أي مدينة ينتمي ولأي قبيلة ينتسب؟

بل كان كافيًا أن نعرف أنه ليبي مثلنا، وُلد على أرضنا ولفحته شمسنا وتمشى على ترابنا الأحمر.

شكرًا لأبننا محمد النعاس على رسم البسمة على وجوهنا الكئيبة، شكرًا محمد لأنك زرعت فينا الثقة من جديد، شكرًا لأنك جعلتنا نؤمن بأن ليبيا ولادة لمبدعين آخرين في مختلف المجالات؛ في الأدب والعلوم والثقافة والمعرفة.

سأقولها لك بالعامية

 «شكرًا واجد.. شكرًا هلبة.. شكرًا عرم».