Atwasat

ما هي اللعبة الجديدة لفرنسا في ملف الأزمة الليبية؟

علي الدلالي الخميس 04 نوفمبر 2021, 01:52 مساء
علي الدلالي

لا تزال فرنسا متمسكة، فيما يبدو، بازدواجية موقفها في ملف الأزمة الليبية رغم سقوط هذه السياسة، التي هندسها وزير الخارجية، جون إيف لودريان، منذ أن كان يشغل منصب وزير الدفاع في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا أولاند (مايو 2012 - مارس 2014 ثم من أبريل 2014 إلى مايو 2017)، تحت الأقدام وتجاوزتها كل الأحداث.

لقد حرص لودريان بالفعل على حمل ملف الأزمة الليبية تحت إبطه عند مغادرته مبنى وزارة الدفاع إلى "الكاي دورساي"، بعد فوز الرئيس أمانويل ماكرون بقصر الأليزيه، وعينه وزيرا للخارجية في أول حكومة شكلها يوم 17 مايو 2017 ليكون بذلك الوزير الوحيد من الحكومة السابقة وبقي في المنصب حتى اليوم.

ويعتقد خبراء فرنسيون أن ماكرون قرر بتوصيات ملحة من "لوبي" أرباب صناعات الأسلحة في فرنسا، الاستفادة من خدمات "الاشتراكي" لودريان في وزارة الخارجية، بالنظر إلى النجاحات التي حققها في وزارة الدفاع حيث زار خلال عمله فيها ما يزيد عن 60 دولة وانتزع عقودا عسكرية مهمة بمليارات الدولارات لتصدير الأسلحة الفرنسية منها طائرات "رافال".

وزج لودريان خلال عمله مع أولاند في وزارة الدفاع بالجيش الفرنسي في معارك على أربع جبهات، في منطقة الساحل وفي جمهورية أفريقيا الوسطى وفي العراق وسوريا ضد الجماعات "الإرهابية و"المتطرفة"، وفي فرنسا ضمن عملية "سانتينيل" لمكافحة الإرهاب.

ورغم انغماس فرنسا في ملفات عسكرية وأمنية وجيوسياسية تمس مصالحها بشكل مباشر في مناطق عدة وخاصة في منطقتي الساحل وغرب أفريقيا، وهما من مناطق النفوذ الحيوي التقليدي لفرنسا على خارطة العالم، ظل الملف الليبي حاضرا على الدوام على طاولة ماكرون من خلال لودريان لأسباب عدة منها، الموقع الإستراتيجي لليبيا على حوض المتوسط (حوالي 2000 كلم حيث يمر مابين 60 و 70 في المائة من حجم التجارة العالمية)، وعلى تخوم ما يُعرف بمنطقة جنوب الصحراء الكبرى (حوالي 5000 كلم من الحدود البرية مع العمق الإستراتيجي للقارة الأفريقية)، وتحديدا على تخوم ما يٌعرف بـ "الحزام المشتعل" - الممتد من دارفور بالسودان مرورا بالكفرة ومرزق (ليبيا) ثم شمال تشاد والنيجر وصعودا إلى السنغال وانتهاء عند خليج غينيا، وهي المنطقة التي تحوي، بحسب دراسات مؤكدة، الاحتياطي النفطي الأكبر في العالم للنصف الثاني من القرن الـ 21.

ومما يزيد من أهمية ليبيا في الحسابات الجيوسياسية للدبلوماسية الفرنسية، موقعها على الحدود مع تونس والجزائر، وهما حليفتان أساسيتان في شمال أفريقيا لباريس رغم ما يتردد بين الحين والحين في وسائل الإعلام، ووجود ليبيا على حدود شمال النيجر حيث مصانع شركة أريفا الفرنسية لاستخراج واستغلال اليورانيوم النيجري، وعلى حدود شمال تشاد حيث القاعدة الأساسية للوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل وعموم القارة الأفريقية.

ويمكن في هذا الصدد العودة إلى مقال مهم نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية عام 2019 تحت عنوان : "ما هي اللعبة التي تلعبها فرنسا في ليبيا؟"، وخلصت الصحيفة واسعة الانتشار إلى أن فرنسا تلعب في الملف الليبي مع أوروبا ضد أوروبا، ومع الأمم المتحدة ضد الأمم المتحدة، ومع السلام ضد السلام، ومع الشعوب ضد الشعوب.

وبالفعل فقد سوقت فرنسا التي اعترفت بحكومة الوفاق الوطني السابقة المشير خليفة حفتر إلى العالم بعد أن جمعته مع رئيس المجلس الرئاسي السابق فائز السراج في باريس، ومن ثم أفرغت إجتماع باليرمو في إيطاليا لدعم المصالحة الليبية من محتواه، ودعمت عبر تصريحات دبلوماسية صرفة جهود المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، لكنها لم تفعل أي شيء لمنع الهجوم الذي شنه المشير خليفة حفتر على طرابلس، ووأد ملتقى الحوار السياسي في غدامس الذي عملت عليه الأمم المتحدة، بل وذهبت إلى حد عرقلة قرار من الاتحاد الأوروبي لإدانة هذا الهجوم وقرارات مماثلة في مجلس الأمن.

ولا يفوت باريس أن تعلن في كل مناسبة عن دعمها للسلام والاستقرار في ليبيا عبر التفاوض والحل السياسي، إلا أنها تدعم بشدة الحل العسكري من خلال تواجد مستشاريها وقواتها الخاصة وأسلحتها في ميادين المواجهة. ولا يمكن كذلك أن نغفل أو نتغافل هنا عن أن الحرب الأهلية التي تمزق ليبيا اليوم لم تندلع بعد سقوط نظام العقيد القذافي عام 2011، بل بعد عام 2014 عندما انقلب ما يٌعرف بـ "تيار الإسلام السياسي" على الانتخابات، واتخاذ المشير خليفة حفتر الذي تراهن عليه باريس قراره بتصفية جميع الخصوم تحت شعار مكافحة الإرهاب، غير أن العنوان الحقيقي كان الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح.

وتصطف فرنسا، رغم دعمها العلني للحكومات الليبية المتعاقبة، إلى جانب استراتيجيات عدد من الدول والقوى الإقليمية في المنطقة التي تعمل على دعم الحل العسكري وعودة الدكتاتورية إلى ليبيا، منها الإمارات ومصر والسعودية، وتوفر في ذلك الدعم اللوجستيكي والغطاء السياسي والدبلوماسي في مجلس الأمن.

غير أنه ظهر لاعب من الوزن الثقيل في ميدان الأزمة الليبية، هو اللاعب الروسي، فتماهت فرنسا في البداية مع مخططاته ودعمه العسكري للمشير خليفة حفتر، إلا أن الدب الروسي عمل في صمت من خلال تثبيت قاعدة ارتكاز وانطلاق لمجموعة مرتزقة شركة "فاغنر" وتوفير غطاء جوي لها شبه استراتجي متمثلا في طائرات (ميغ 29) إلى أن وصل اليوم إلى تهديد مصالح فرنسا في مناطق نفوذها التقليدية في منطقة الساحل وفي غرب أفريقيا، في مالي وتشاد وبوركينا وأفريقيا الوسطى حتى الآن، قبل خلخلة مشاريعها ومن ثم محاصرتها في ليبيا.

واليوم، رغم مخرجات الحوار السياسي الليبي في تونس وجنيف، ومخرجات برلين 1 و 2، وخارطة الطريق للانتخابات الرئاسية والنيابية، ومؤتمر دعم الاستقرار في ليبيا يوم 21 أكتوبر 2021، والاستعدادات التي تقوم بها المفوضية العليا للانتخابات على قدم وساق للتجهيز للانتخابات، تخرج فرنسا بدعوة إلى مؤتمر دولي في باريس يوم 12 نوفمبر الجاري لبحث ملف الأزمة الليبية من جديد. فماذا ستضيف فرنسا ونحن على بعد حوالي 6 أسابيع من موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خاصة وأن الجميع يعرفون أن خيوط الأزمة الليبية باتت اليوم بيد موسكو وأنقرة رغم العودة "المحتشمة" حتى الآن للولايات المتحدة الأمريكية؟

ولكن السؤال الأبرز اليوم والمشروع إلى حد كبير يقول: هل تُعد باريس لخطة جديدة بعد سلسلة الهزائم التي مُنيت بها في ليبيا عن طريق الروس والأتراك، شبيهة بتلك التي سبقت غدامس؟ وهل بروز اسم إسرائيل في ملف الأزمة الليبية على الطاولة بشكل واضح هذه الأيام وهل الأنباء الواردة عن رصد مسار الطائرة التي يستخدمها المشير خليفة حفتر بين (دبي وبن غوريون والقاهرة) تؤشر على استمرار العبث الفرنسي بالأزمة الليبية بعد نهاية عصر العمالقة الذين سكنوا قصر الأليزيه؟