Atwasat

لماذا أنت ليبي؟ (1من 2)

أحمد الفيتوري الثلاثاء 18 مايو 2021, 11:38 صباحا
أحمد الفيتوري

الآركيولجي عبدالله القويرى، قد يكون الكاتب الليبي، من شكلت حفرياته هوية الباحث في معنى الكيان، في مفهوم الهوية، ما شكل فكره حالة، من قلق فكرة الذات عن نفسها، لكن هذا القلق الذي شيع الروح، ووسم إخلاصه لمقولة الجوهر، هو ما شكل أطروحته النظرية، كأطروحة مغلقة يقينية ونهائية في النتيجة. وهكذا تظهر هذه الأطروحة - الهوية كمفهوم عار من الدلالة ومطلق، ويكسب مبررات وجوده من متعال. فالهوية كامنة في الوجود ومتحققة بالقوة، كيف تم ذلك؟.

بمراجعة كتابات عبدالله القويرى، نلاحظ أن هناك إلحاحا، على الهوية كموضوع، الهوية دائرة تتعين الذات كمركز لها، ومحيط هذه الدائرة محدد محصور، حيث هناك هويات أخرى تعمل على التحقق، أو تتحقق على حسابها، بمحو تضاريس الذات، وقطر الدائرة الخيط المشدود والأزلى، الذي يعنى أن تحقق الهوية، كامن في الذات بالقوة، وإن انحرفت عن هذا التحقق تتبدد.

الهوية مرآة تعكس نفسها، وعكس ذلك انمحاء، فالذات فضة هذه المرآة إن صح التعبير، وكأن الذات في المحصلة هي الهوية، الإنسان إنسان بالطبيعة، الطبيعة معطى كالعجين عند المثال، أو كما يقال في فن النحت: التمثال كامن في الكتلة. لكن هذا التحدد يكون سببا لنتيجة مناقضة، وهى أن هذه الدائرة لاتقبل الحدود، كما التمثال يؤل نفسه في عين المتلقي، فإن الآخر يحقق للوجود بالقوة وجودا بالفعل، وهكذا هذا الكمال بالضرورة، ليس محصورا في نفسه، بل محاصر من الآخر الذي يكشف عنه.

ومفهوم الهوية هذا،عند عبد الله القويري، يتعين فى مفهوم الوطن، حيث الوطن كلى شامل، حدوده فيه، والوطن أزلى، وإن استمد تعينه فى الذات من التاريخ، فإنه فى الطبيعة ما قبل التاريخ، وهكذا فإن كان الوطن متخارجا ومتعاليا، فإنه يتحقق من خلال الذات الخلاقة، الذات المبدعة، ما هى عند القويرى مفارقة، تنتج الوطن الذى يخلقها.

وهكذا فقد انصب بحث القويري عن معنى للكيان، ماهو كينونة ثابثه!، فهو ثابت متحقق متكامل كمفهوم، وهو فى صيرورة من حيث هو حلم مشروع. كذلك يتضح لنا الوطن عند القويرى، كموضوع غير موجود، لأنه فكرة أو ومضة وتعقب دائم دؤوب لمفهوم.

يبدو واضحا للقارئ المتأنى، وجليا للباحث المختص، الإطار الفلسفى المثالى الذى يؤطرشغل وفكر عبدالله القويرى، وأنه أحد آخر الرومانتيكيين فى هذا العصر، وأولهم فى ليبيا، وأن الرومنتيكية تتجلى فى مفاهيم القويرى، وفى التوسطات التي يدلل عليها ويستدل بها، على مصدقية رؤيتة. لقد دخل لذلك فى معارك ثقافية، فى واقع ثقافى ضيق، وخاض فى أوحاله، هو المتعالي صاحب الفكرة والكلمة الفصل، النظرية المتكاملة التى ألبسها اقنعة متعددة: المسرح والقصة والخاطرة والومضة، وما في حكم ذلك.

وقد دخل فى معارك، لم تنته بوفاته منذ سنوات، ضد كل نظرة تقول بخصوصية غير خصوصيته، حد أنه اعتبر: أن الفكرة القوميه فكرة اللغة الأم، أمة اللغة الواحدة، فكرة خصوصية تنفى خصوصيته. وكرومانتيكى خلاق، تلميذ نفس الفكر المثالى، الذى تتلمذ على أياديه أصحاب الفكرة القومية، انكمش وانعزل فى حدود مفهوم ضيق ولا حدود له!، ونفى عن أصحاب فكرة أمة اللغة الواحدة أي معقولية.

لكن نفي المشترك بينه وبينهم، لم يجعله يقول بالوطنية فى مقابل القومية، حتى إننا لن نجد فى كتاباته، اصطلاح الثقافة الوطنية بالمرة، كما لن نجد أي اهتمام يذكر، أو متابعة للكتابات الليبية (الوطنية). لقد جرد الوطن من الثقافة الخاصة، ورسم عبدالله القويري فكره، مجردا من أي تشخيص، ووسم كتاباته بالذهنية المفرطة، فهو باحث عن ضالته لتعين مفهوم الوطن حيث تكون.

وقد دخل لأجل ذلك أيضا، فى معركة ضد الشكلانية لأن الشكلانية تنفى الجوهر، وكان المعلم الذى يرى، فى الشكلانية لعبة التلاميذ الفاشلين، فكان الشكل عنده معقولا بالقوة، لأن الشكل يستمد وجوده من الوجود، أي أن الفكرة أم الشكل.