Atwasat

مراجعات ضرورية

فلاني عبدالرحمن الزوي الأربعاء 22 يوليو 2020, 03:04 صباحا
فلاني عبدالرحمن الزوي

سأتطرق إلى ظاهرة أو من الممكن أن نطلق عليها «عادة تتكرر في مجتمعنا على نطاق واسع»، سكان القرية وسكان المدن يشتركون فيها على حد السواء، تتعلق بالتبعات النفسية والمادية التي يسببها الزائر على راحة وخصوصية المريض واسرته، سواء كانت الزيارة تتم في المنزل أو بالمستشفى، والألم الذي يكابده المريض واسرته معه نفسياً وعضوياً.

لا شك أننا ننتمي لمجتمع مترابط وتحكمه عادات وتقاليد وهذه واحدة منها، زادت من تكرارها صلة الرحم والدم والمصاهرة أو الجوار، ففرضت نمطاً معيناً من السلوك المعتاد رغم تبعاته وأعبائه، علماً بأنه لم يعد متلائماً وطبيعة حياتنا العملية ومسؤولياتنا من الطرفين، وأصبح من غيرالمقبول أو العملي، الجلوس داخل غرفة المريض للساعات الطوال وحتى أوقات متأخرة من الليل، وتتحول تلك الزيارة إلى جلسة تتوالى فيها القصص والآراء في إطار مواساة المريض واسرته.

متطلبات الحياة وارتباطاتها ومشاغلها أصبحت لا تتماشى مع ذلك النهج والسلوك، لذلك يجب علينا إعادة النظر فيها بما يخدم ويريح المريض واسرته بالدرجة الأولى ولا يكون فيه إهدار للوقت أو يطبعه بطابع المجاملة من طرف الزائر، هذا الإرث الاجتماعي اصبح عرفاً وسلوكاً، وهو لم يعد حكراً أو مقتصراً فقط على طبيعة الحياة القروية والريفية والعدد المحدود لسكانها وعلاقاتهم المتينة، لدرجة أنهم يعرفون بعضهم البعض بالاسم والعائلة، وسبب آخر لأن المرض قديماً كان غالباً ما يلزم صاحبه الاستسلام إلى الفراش الذي فرضه عليه داء عضال، لا يكون من الممكن والمحتمل القيام منه بعد ذلك، هذه الحيثية المصحوبة بالحزن، تحتم الإحاطة والجلوس حول ذلك المريض، الذي ينتظر الجالسون من حوله كذلك مصيره ويعدون أنفاسه.

إن تلك الحالة من انعدام الحيلة وغياب الوسيلة، شكلت صورة درامية في قالب المواساة والمآزرة، وبدل كل ما يمكن إعطاؤه للمريض واسرته من دعم، هذا السلوك يراه صاحبه واجباً وكأنه يساهم في حمل الألم والمعاناة عن المريض واسرته.

هكذا تشكلت ثقافة عيادة المريض والجلوس حوله في أوقات لا تتناسب مع ظروفه واحتياجاته التي فرضها عليه مرضه والتي ربما تكون محرجة له حتى أمام أنظار اسرته.

بلا شك أن تلك النوايا حسنة، ولكنها غبية وساذجة في أحيان كثيرة، تفتقر للذكاء الاجتماعي بكامل طيفه، من توقيت ومواعيد الزيارة، مدتها وتكرارها لدرجة الفضول، والحديث الذي يدورأثناء تلك الزيارة سواء كقصص مشابهة أومعانٍ وأمثلة قد تكون قاسية وهدامة لنفسية المريض، وربما تكون سبباً في زيادة إحساسه بالوجع والألم وحرمانه من ساعة نوم هو يجاهد من أجلها.

لو دققنا النظر وأمعنا التفكير وقمنا بطرح سؤال على أنفسنا ثم نحاول الإجابة عنه وهو: هل زيارتنا لذلك المريض من حيث وقتها ومدتها وطبيعة الحديث الذي يتخللها تتناسب وحالة المريض الصحية والنفسية؟ هل ما يدور من حديث والذي قد يصل إلى أسئلة خصوصية جداً ومحرجة أحياناً بالنسبة للمريض واسرته ولا يريد هو ولا اسرته الخوض فيها أوالإجابة عنها على الإطلاق، هل هي أسئلة فيها شيء من الفطنة والنباهة والذكاء الاجتماعي؟! في حين يحاول هو نسيانها أو حتى إنكارها كردة فعل نفسية تعتبر طبيعية جداً عند علماء النفس.

الحديث عن الموت وعن الأمراض التي تفتك بحياة الإنسان عند إصابته بها، يجب أن لا يتم تداولها على الإطلاق أمام المريض أو حتى أحد أفراد اسرته، والتي غالباً ما تصاحبها كلمات ودعوات تبعد عنهم داءً مماثلاً لتلك الحالة، مع العلم بأن الذين يجلسون بجانبه هو طريح الفراش بسببها وربما يعلم أو لا يعلم مصيره الذي ينتظره لإصابته وتشخيصه بها.

هناك العديد من الطرق والوسائل التي أصبحت تفي بالغرض النبيل لمواساة المريض والتعبير عن التمنيات له بالشفاء، دون الحاجة لثقل وعناء فرض الضيافة، وتهييج العواطف وإشعارالمريض بحتمية المصير، سواء من خلال المفردات أو نبرات الصوت الذي قد يصل إلى الجهش بالبكاء أوغيره، هذه الطرق البديلة تتمثل في كروت كتبت عليها عبارة تبعث على الأمل والتفاؤل، وتعطي المريض الدافع المعنوي وتساعده على التغلب على اليأس والشعور بالإحباط والقنوط من رحمة الله.

كذلك الحال مع باقات الورود هي الأخرى لها وقعها وأثرها الطيب والجميل على نفسية المريض وسوف تتعود عليها وتستحسنها حتى لو كانت طريقة جديدة وغير معتادة في مجتمعنا، إرسال الرسائل عبر الوسائل الإلكترونية التي تحمل نفس العبارات المتفائلة والتغلب على هاجس المرض السلبية.

كل هذه الطرق هي ممكنة وغير مكلفة وعملية ومفيدة، ولا تضع على كاهل المريض وأسرته أي التزامات وخاصة المنزلية، التي تتطلب وفق الأعراف والعادات والتقاليد بعض الأعباء، إذ تستوجب الكرم وحفاوة الاستقبال وحسن الضيافة للزوار، فهم عادة يظلون جالسين لأوقات مختلفة وطويلة.

قد يقول قائل ولكن زيارة المريض شيء مستحب ومن السنة، وفيها أجر كبير ورفع لمعنويات المريض ودعم نفسي له ولأسرته، نقول نعم وبكل تأكيد، ولكن إذا التزمنا بآدابها ومنهجها المحمود (خففوا الزيارة). كذلك إذا كانت تتم في مواعيد مناسبة للمريض ولأسرته مع إعطاء العلم مسبقاً للمعني أو أحد أفراد أسرته ومدى إمكانية ذلك التوقيت، وأن لا توثرعلى مواعيد نوم أو تطبيب ذلك المريض، وأن لا يتم فيها تناول أحاديث وأخبار تحرك مشاعر المريض وتحبط من عزيمته وتزيده شعوراً بالكآبة واليأس من الشفاء، ولكن هل تتوفر هذه الشروط في مجتمعنا أثناء زيارة المريض؟. لا أعتقد ذلك.

نقطة أخيرة أود التعريج عليها، حيث أصبحت أمراً معتاداً ويتكرر مع إصرار الراوي على نفعها وفعاليتها، وكم جرّت تلك العادة وراءها من مضاعفات ومشاكل على سلامة وصحة المريض، ألا وهي تعدد الروايات وضرب الأمثلة للمرضى بنفس المرض أو ما يشبهه تماماً، والذين تداووا بنوع من الأعشاب أو أخذ حبوب ثم جلبها من الهند أو أي مكان آخر وكيف تماثل أصحابها للشفاء من ذات المرض بعينه، وآخرون شربوا دم الضب وثالث أكل أفعى وتم شفاؤه من السرطان وآخر زار قبر ولي صالح وعاد إلى أسرته كأن لم يكن به مرض من قبل.. وغيرها الكثير من الروايات والأساطير.


كل هذه الروايات توثر سلباً على صحة المريض وقد يقتنع بها - ولا لوم عليه - وتكون سبباً في مأساة أخرى فوق مأساته ومرضه الأصلي، بالنسبة للمريض قد نمنحه العذر للبحث عن أي وسيلة للتعلق بها لأجل الشفاء كما يفعل الغريق في تعلقه بالقشة.
المجتمعات الغربية أكثر واقعية منا نحن، لأننا أحياناً نمارس نوعاً من النفاق، الذي نطلق عليه تأدباً صفة المجاملة أو المسايرة وكلتاهما بعيدة عن الواقع ومناقضة للإمكانية الذاتية التي يستطيع الإنسان القيام بها دون مغالاة أو تقصير إن لزم الأمر.