Atwasat

تعليق على المقابلة مع القائد العام للجيش الليبي

سالم العوكلي الثلاثاء 25 يونيو 2019, 01:10 مساء
سالم العوكلي

منذ بداية حراك فبراير، وتشكيل المجلس الانتقالي، تردد المجتمع الدولي في اعترافه بهذا الجسم الجديد لأنه لا يعرف صيرورة، هذا الحراك رغم إعلان بيان أهدافه في تصورات عامة، إلى أن وضع المكتب التنفيذي خارطة طريق مفصلة لمرحلة ما بعد سقوط القذافي، فتوالت الاعترافات بالمجلس الانتقالي كممثل وحيد للشعب، وهذا ما يحدث الآن حيال توجه الجيش إلى العاصمة ومعركته على تخومها، باعتبار أن هذا المجتمع تعوّد أن يدرك الهدف من أي حراك أو ثورة أو عملية عسكرية ليصطف معها أو ضدها أو يبقى محايدا على الأقل، ونتيجة اللغط الذي دار حول هذه العملية العسكرية والسيناريوهات المتوقعة بعدها، توجه الصحفي عيسى عبدالقيوم إلى مقر قيادة الجيش العامة رغبة في وضع النقاط على الحروف، وأجرى حوارا مهما مع صاحب الشأن، وما ترتب عنه ليس خارطة طريق بمعناها التفصيلي، ولكن مبادئ عامة لهذه الخارطة، أهم ما فيها إبداء الحرص على استمرار المسار السياسي باستحقاقاته الدستورية والاحتكام إلى صندوق الاقتراع لإفراز أجسام الدولة المدنية في مرحلة انتقالية، وهذا ما اتضح جليا في الاقتباسات التي سأختارها من هذه المقابلة، ومن ضمن ما أكد عليه القائد العام للجيش الليبي النقاط التالية الواردة حرفيا: 

– "الحل لابد وأن يكون عبر المسار السياسي وبمشاركة كل الليبيين، العملية العسكرية تستهدف أوضاعاً مستعصية عجزت كل السبل عن معالجتها، من تواجد القيادات الإرهابية ونشاطها فى تجنيد خلايا داخل طرابلس إلى تواجد وانتشار المليشيات وسيطرتها على أموال الشعب الليبي فى مصرف ليبيا المركزي هناك، وممارستها للحرابة والخطف والابتزاز إلى تنامي نشاط الجماعات الإجرامية وعصابات الجريمة المنظمة والمتاجرة بالبشر وتهريب النفط والمحروقات، وحتى جماعات الإسلام السياسي التى عطلت الحياة السياسية وأفسدت مناخها، بل ووصلت إلى تنفيذ أجندات خارجية تتعارض مع مصالح الشعب الليبي تماماً. هذا الجزء باختصار هو المستهدف من العملية العسكرية وما عدا ذلك سيجد له الشعب الليبي الحلول عبر الحوار والنقاش بوسائل سلمية وسياسية وديموقراطية.".

– "بشكل مجمل وطبيعي أيضاً ، سندخل في مرحلة انتقالية واضحة ومنضبطة هذه المرة من حيث المدة والصلاحيات. ومن المهم أن تُنجز في هذه المرحلة الانتقالية عدة مهام أساسية لتمهيد الأرضية أمام الوضع الدائم، منها حل كافة المليشيات ونزع سلاحها ومنح الضمانات لكل من يتعاون في هذا المجال، وحل كافة الأجسام المنبثقة عن اتفاق الصخيرات الذي انتهت مدته وفشل في إيجاد أي مخرج للأزمة بل خلق أزمات، وطبعاً تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون مهمتها التجهيز لهذه المرحلة الدائمة التي نتحدث عنها.".

– "أقصد التجهيز للوضع الدائم والطبيعي الذي ستستقر عليه الدولة لتنطلق في عمليات الإعمار والتنمية وإزالة تراكمات سنوات طويلة من المراوحة. فمثلاً سيكون من مهام حكومة الوحدة الوطنية التجهيز للانتخابات وعودة المسار الديموقراطي بالعمل على مشروع قانون انتخابات جديد خالٍ من العيوب السابقة. سيكون من مهامها أيضاً أمر مهم آخر وهو تشكيل لجنة صياغة دستور جديد ووضع مشروع قانون للاستفتاء عليه، وكذلك إعادة التوازن لقطاع النفط وعوائده، حل مشاكل الناس العالقة وتسهيل شؤون حياتهم المعيشية وبالأخص إنهاء أزمة السيولة، وكذلك الشروع في توحيد مؤسسات الدولة وإداراتها.". 

ـــ "لقد كانت الانتخابات مطلبنا منذ البداية ووافقنا عليها وطالبنا بها في لقاء أبوظبي 1 و 2 وباريس 1 و 2 وباليرمو في إيطاليا كحل لأزمة الشرعية وكانت مطلب غالبية الليبيين في استطلاعات الرأي.".

ــ "أكرر، لسنا ضد الحلول السياسية ولا ضد العملية الديموقراطية ولا ضد الانتخابات بل نرى في الأخيرة هي الطريق الأمثل أسوة بكل دول العالم، أبجديات الديموقراطية هي الاحتكام لصندوق الاقتراع حصراً وليس الاحتكام لتوافق مزعوم فُرض غصباً على الليبيين في ردهات الفنادق، ولكننا نعتقد بأن كل هذه القيم المؤسٍسة للدولة المدنية العصرية لا يمكن أن تعيش فى ظل سيطرة الإرهاب وجماعات مثل القاعدة والليبية المقاتلة والإخوان المسلمين والمليشيات وعصابات الجريمة المنظمة والتهريب والخطف ودواعش المال العام لذلك وجب تصويب الوضع على الأرض.".

هذا من أهم ما ورد في المقابلة، وما يجيب عن الأسئلة المشروعة المتعلقة بما بعد استرجاع العاصمة المختطفة من قبل ميليشيات أخذتها رهينة لتفرض سياسة الأمر الواقع، وتتحول رغم ارتباطها بجرائم وفساد إلى طرف في الصراع بعد أن كساها المجتمع الدولي بشرعية حكومة لا تملك من أمرها شيئا وُضِعت تحت حماية هذه الجماعات المسلحة.

يقول المثل الليبي "اللي يعطيك حبل كتفه بيه" وهذه التصريحات الواضحة حبل متين على طلاب الدولة المدنية واستئناف المسار السياسي الذي أُجهض بحرب فجر ليبيا أن يتمسكوا به. لكن لابد في البداية من تكتيف كل من يعيثون خرابا وفسادا في هذا الوطن، تكتيف السلاح خارج مؤسساته الشرعية، تكتيف الإرهابيين المعلنين جهرا عن أنفسهم، تكتيف مهربي البشر والوقود والنحاس والمخدرات والسلاحف والثورة الحيوانية وكل ما يدب أو لا يدب على هذا الأرض، تكتيف لصوص المال العام والمال الخاص، وتكتيف المعتدين على أملاك الدولة وعلى شواطئ البحر وعلى الغابات. معركة شاملة مع المخربين والفاسدين والمجرمين لكي ننظف هذا الوطن من أدرانه ويصبح بيئة صالحة لاستحقاقاته المستقبلية وصالحا لتحقيق أهداف ثورة فبراير المعلنة في دولة وطنية واحدة، مدنية ديمقراطية، التي ضحى من أجلها الكثير من خيرة شباننا وكهولنا ونسائنا. 

للدفاع عن كل الخراب وعن هذا التيار المتطفل على ليبيا المتاجر بالدين وبوجدان الناس برزت غولة أو عفريتة الحكم العسكري، ومثلما الغولة خرافة ولا وجود لها كانوا يخيفوننا بها ونحن أطفال، فهذه التعويذة أصبحت خرافة ولا وجود لها إلا في خيال من يريدون للفوضى أن تستمر والياغمة أن لا تتوقف، والإيجابي في ما يروجه إعلام الإسلام السياسي من تخويف من عودة العسكر، هو اعترافهم الضمني بأن الطرف المقابل لهم جيش وعسكريون، ما يفضح أبواقهم من قنوات تسمي هذا الجيش بالميليشيا، لأنه في الواقع العسكر يعودون عن طريق جيش رسمي وليس عن طريق ميليشيات، كما أن استجداءهم للمجتمع الدولي لوقف تحرك الجيش يؤكد على أنهم واثقون من أن هذه القوة العسكرية باستطاعتها أن تسيطر على ليبيا ولا يمكن أن يسيطر على أرض مساحتها قرابة المليونين كم مربع إلا جيش بحاضنة اجتماعية كبيرة.

والإيجابي أيضا أنه؛ إضافة لهذه التصريحات المطمئنة، كل ما يحدث الآن في العالم وفي المنطقة يثبت أن زمن الانقلابات وحكم العسكر قد ولى مثله مثل حكم الأباطرة أو حكم الإقطاع، وما يحدث في الجزائر السودان وموريتانيا وفنزويلا يؤكد ذلك، لأن الشارع استيقظ واكتشف أنه أقوى من كل هذه النظم التي استمرت عقودا بسبب الخوف فقط، لتكتشف الشعوب بعد الربيع العربي أن القوة تكمن في حيوية المجتمع والحشد الشعبي حين يقرر الخروج إلى الميادين، وأن وسائل الحشد الرقمية الحديثة أصبحت في متناول كل الشعوب. انتهى زمن الحكم العسكري؛ لكن هاجس الاستبداد لم ينته، وقد يقوم به مدني وصل للسلطة عبر صندوق انتخابات، والتاريخ مليء بهذه الأمثلة؛ والحاضر أيضا، ولا إمكانية لوقف عودة الاستبداد إلا بوعي الشارع بأهمية وثيقة دستورية تضمن فصل السلطات والتداول السلمي للسلطة التنفيذية والتشريعية، والأهم من ذلك قدرته على حماية هذا الدستور والوقوف ضد أي محاولة للعبث به: عبر منظمات مدنية؛ وقوى سياسية فاعلة؛ وحراك مجتمعي واع مستعد في أية لحظة للاحتشاد في الميادين، وللعصيان المدني؛ ولكل السبل السلمية، إذا ما أحس بمحاولةٍ للتلاعب بمصيره وبدستوره الذي اختاره.

الإرهاب موجود بعديد مسمياته، ومنتشر في المنطقة، ومهدد لكل أمال هذه الشعوب في الحياة والحرية، ونحن مع الحرب عليه لأنه، للأسف، لا وسيلة أخرى نجحت في التعامل معه، لكننا ضد توظيفه أو توظيف الحرب عليه في قمع الحريات وفي مصادرة أهداف الربيع العربي في الحرية والعيش الكريم، وكتبتُ على جداري مرة : "تونس، مصر، ليبيا، اليمن، سوريا : إذا أعاد الإرهاب نُظُم الاستبداد فسيكون انتصر حتى ولو قُضي على جماعاته الإرهابية بالكامل".