Atwasat

درنة المنقار العالي

أحمد الفيتوري الأربعاء 13 يونيو 2018, 01:06 مساء
أحمد الفيتوري

1-
ما عساها أن تكون البياصا الحمراء
ميدان الشجرة
ما سكب الزيت الحامي في حلقومه، كي لا تصرخ من وجع، المدينة.
أم درنة، المرأة التي جاءها المخاض، في ذيل الوادي
لتلد دون قابلة، الهيلع
ما التهم الخوف
الخوف دُسَّ في آية الكرسي وآيات أخر.
ما عساها أن تكون البياصا الحمراء
فريحة البركاوي، شحاذ الرحمة اغتالته الأيدي السوداء في بياض نهار دامٍ.
إبراهيم بوحمره، من هدّهُ تعب ثورة فبراير.
إبراهيم الأسطى عمر الشاعر، من طال رصاص الطاغية قبره بعد أن بليت العظام.
سالم العوكلي، سيد من سادة الحياة، يكتب الشعر بروح غصتْ بالأمل.
رجب الهنيد صديقهم، محبهم، الطائش الروح، المتأمل الأبدي من تأبط الدهشة المصابة بالرشح.
هؤلاء من لم نعرف
أم الآخرون من لم يعرفوا أنفسهم
هم من خاضوا في يمّ الشجاعة التي تخض الحليب في الركب وأغرقوا الوادي.
ما عساها أن تكون البياصا الحمراء.

دارنس ساحة للحرب الضروس بين الكاهية ملكة البربر وصحابة النبي محمد في القرن السابع الميلادي، أمست مثوى الصحابة، وعند العرب باتت درنة

2 -
دارنس السر المدفون في واد بالجبل الأخضر بين الصحراء الكبرى والأبيض المتوسط، ما اكتشف باتوس من أخبرته آلهة إسبارطة أن طريقه المسدود كباب مرصود مفتاحه مدسوس في القارة الليبية.
• دارنس ساحة للحرب الضروس بين الكاهية ملكة البربر وصحابة النبي محمد في القرن السابع الميلادي، أمست مثوى الصحابة، وعند العرب باتت درنة.
• درنة استكانت لقدرها أن تكون السبيل للقوافل والسابلة...
• درنة المأوى للأندلسي التائه ليلة سقوط غرناطة.
• درنة تحت وابل من نيران سفينة حربية أمريكية عام 1805م، لما لم تكن بعد الإمبريالية الأمريكية.
• درنة أوائل القرن العشرين تحت وابل نيران بواخر حربية حاملات الحلم الإيطالي الإمبراطوري.
• درنة زمن الحرب الكبرى الثانية تتبادلها جيوش أوربية تتناطح لأجل الفوز بالعالم غنيمة.
• درنة تشهق بالموت كل مرة وتنهض حية.
• درنة المحطوطة في كف واد تتفيأ شجر الموز، يغطيها الجلنار وماء شلال، خمرها ماء الزهر، شعرها المنسدل في الوادي مثلما شعر شعرائها الرومانتيكي، كأن لا وجود لها أو أن وجودها حلم تائه في الصحراء الليبية.
• درنة عقب الحرب الكبرى خلطة بشر بدو وحضر، من أندلس ومن كريت ومن مصر ومن الشام، عربية الأرومة أوروبية الهوى، بها مس من كل شيء فتهوى الجديد وتقلع قديمها قبل أن يبلى...
• درنة أنوثة ضاجة تتفنن بالفن وتموسق بدنها (هنا الرقص، هنا الوردة).
• درنة لم تطمح غير أن تكون السبيل للتائهين في بحر الماء الأجاج أم في بحر الرمال الأعظم، درنة كما ميناء لسفائن الصحراء ولسفائن البحر الأبيض. لو أن الحجم كفيل بالقدر لكان قدر أثينا ضئيلا كذا مكة وكذا غرناطة وغيرهما، لكن القدر بالقدرة كذا كانت لندن عاصمة العالم المدينة ما مطرحها جزيرة قاحلة.
• درنة ألهذا كنت عرس الدم عند الطاغية؟

3-
سحب ركامية سوداء تجتاح الوادي، الجماعة الليبية المقاتلة تتسربل عبر أحراش وغابات الجبل الأخضر وتتخذ من سراديبه المأوى، هم من هم عائدون من حروب دولية بين قوى عظمى ووسموا بالأفغان العرب.
في العقد التاسع من القرن العشرين تسربوا في البلاد فطاردتهم كتائب القذافي الأمنية، قرب درنة كمنوا فكمن لهم بجيش جرار، لو خيروا لاختاروا درنة السمحة التي لاقت كل الإهمال والضغينة من طاغية البلاد، لم يأتوها لكن أتوا الجبال الوعرة ووديانها الصعبة وإن كانت محط نظرهم.

حينها غزا المدينة، ورمى الأحراش والغابة بالنابلم فأحرق الأخضر واليابس، ولم يكن على عجل

عندهم درنة غادة لعوب وهمَ دعاة الدين القويم من يعيدونها إلى خير سبيل فانتشروا فيها، كخلايا نائمة اندسوا في شرايينها، وانسابوا في ليلها الدامس من أثر مطاردات لا تكل من كتائب الطاغية من وسمهم بالزنادقة حينا وبالكلاب الضالة حينا. حينها غزا المدينة، ورمى الأحراش والغابة بالنابلم فأحرق الأخضر واليابس، ولم يكن على عجل.

ساحة وغى وبغي باتت البياصا الحمراء ،وكرسه، ووادي الناقة، وشارع الفنار، وكل زنقة وشارع وحواشي وحواري درنة وتلالها ووديانها، فتش البيوت بيتا فبيتا، وربض في كل ناحية جيشه الضارب. ذات مرة اكتسحت الكتائب جبانة بالمدينة حيث قبر الشاعر إبراهيم الأسطى عمر، وأمطرت القبور بالرصاص، هكذا في قبره لحق رصاص الطاغية الشاعر.. غصبا ورغما عن هذا في مارس 2003م درنة تحيي الذكرى الخمسين لوفاة شاعرها إبراهيم الأسطى عمر، وجاءتها البلاد تسعى: شعراء، أدباء، فنانون، صحفيون وأساتذة جامعة، فكانت ساعتها درنة -كما كني شاعرها- سيرة البلبل.

4 -
درنة والمنقار العالي
وين خطم زولك يا غالي
هكذا غنيتُ ورددتُ في الصبا، كما سأغنى.