Atwasat

الارتداد نحو الحالة السورية

محمد الطاهر الحفيان الأحد 08 يونيو 2014, 01:02 مساء
محمد الطاهر الحفيان

لا تزال الدعوات إلى المصالحة الوطنية في ليبيا تصدر باستحياء وبمبادرات شخصية أو من قوى مهمشة؛ في حين تواصل "القوى المنتصرة" الانغماس في التنافس على السلطة سياسيًا وعسكريًا بهدف تحقيق حسم ضد خصومها، والاستفادة من الفوضى في ترسيخ مكاسبها وتفصيل النظام السياسي الجديد حسب مصالحها، قبل الوصول إلى استحقاق الاستقرار.

كان يمكن للمصالحة الوطنية، أن تدرأ الكثير من الأخطار والكوارث، وأن تختصر الطريق إلى بر الأمان، إلا أن أوانها، كما يبدو، لم يحن بعد، فالمنتصرون لا يزالون يسعون جاهدين إلى تحقيق المزيد و"تمريغ أنوف" منافسيهم في التراب وإخضاعهم، لا مد اليد إليهم ومصافحتهم واقتسام الحاضر والمستقبل معهم.

تسلحت قوى طارئة منتصرة، مبكرا بالأسباب؛ وهي تحاول تكرار نموذج القذافي وإزاحة الآخرين والاستفراد بإدارة الدولة من خلال صبغة دينية ترى أنها تُكسبها "شرعية" مقدسة كفيلة بحشد "الرعية" إلى جانب مشروعها السياسي، وتمهيد الطريق أمامها ولجم أية معارضة.

هذه القوى استماتت من أجل فرض قانون العزل السياسي الذي عمّق الانقسام داخل المجتمع، ووفر أرضية قانونية للإقصاء والتهميش، فيما مضت الممارسات على الأرض أبعد كثيرًا من ذلك من خلال دفع أعداد كبيرة من الليبيين، عقب سقوط نظام القذافي، إلى اللجوء إلى دول الجوار أوالنزوح داخليًا.

في هذه الأجواء المحتقنة، لجأت قوى قبلية منتصرة أخرى إلى الانحياز إلى الخيار المدني في مواجهة الديني، في سياق حالة من الاستقطاب والمواجهة والبحث عن توازن؛ إلا أن ذلك لم يغير من قواعد الصراع الذي لا يزال هدفه المغالبة لا الاتفاق.

بدورها مرّت المنطقة الشرقية من البلاد، بظروف مختلفة بعض الشيء عن المناطق الأخرى؛ تَفَجَّرَ الصراع هناك وازداد، في وقت لاحق، ضراوة بين معسكرين، الأول ضم تنظيمات دينية متطرفة، والثاني أبناء المؤسسة العسكرية والأمنية.

اللافت أن القوى المهيمنة على السلطة لم تحرك ساكنًا أمام المشهد المأساوي في مناطق ليبيا الشرقية لمدة طويلة، ولم تُعر أي اهتمام لما يتعرض له أبناء الجيش والشرطة من تقتيل واجتثاث، إلا أن رموزها بدؤوا في الحديث فجأة عن "محاربة الإرهاب" بعد أن شن ما يعرف بـ"الجيش الوطني" بقيادة حفتر هجمات مضادة ضد ميليشيات "أنصار الشريعة" وحلفائها مهددًا بذلك سلطتها و"شرعيتها".

هذه التطورات أثبتت أن القوى المهيمنة على مراكز القرار الآن غير معنية باستقرار الأوضاع في ليبيا إلا بعد التمكين لمشروعها، وأنها لا ترى من الأخطار العديدة التي تحيق بالبلاد، إلا ما يمس مصالحها بشكل مباشر.

إصرار قوى منتصرة على تحقيق حسم سياسي وعسكري لا وجود له، وتجاهل الأوضاع الكارثية السياسية والأمنية في البلاد، والتحرك لمعالجة ومواجهة، فقط، العقبات التي تحول بينها وأهدافها، يدفع بالأحداث نحو مزيد من الاشتعال، ما يوفر أرضية مناسبة لتدهور الأوضاع واقترابها مما يشبه الحالة السورية، بخاصة بعد بروز "حركة" حفتر قوةً جديدة تهدد بشكل مباشر مراكز القوى الأخرى، بما في ذلك تلك المهيمنة على مفاصل الدولة الحيوية في طرابلس.

ويمكن القول في هذا الصدد إن تصاعد أساليب العنف ودخول التفجيرات الانتحارية على الخط، إضافة إلى احتدام الصدام العسكري المفتوح شرق البلاد مع إقصاء قوتي الدفاع والأمن العامة والاعتماد على الميليشيات الخاصة، كل ذلك يعد جزءًا من الضريبة الفادحة التي يتوجب علينا الآن دفعها جراء تعالي القوى المتنفذة على الحوار العقلاني ومطلب المصالحة الوطنية، صمام الأمان ضد التطرف الديني والدنيوي، وأقصر الطرق نحو الاستقرار والسلم الاجتماعي.