Atwasat

الشرق الذي ينأى

محمد الطاهر الحفيان الأربعاء 04 يونيو 2014, 11:27 صباحا
محمد الطاهر الحفيان

انتهى سيناريو سقوط القذافي ونظامه إلى ظهور قوى جهوية وقبلية وآيديولوجية ظافرة، عملت على الاستحواذ على السلطة وفرض الأمر الواقع و"الثأر" من القوى المنافسة بمختلف الوسائل، بما في ذلك ترسيخ مفهوم "القبائل المنتصرة" الذي شاع منذ البداية، وتحول إلى نهج رسمي زاد من سوء الأوضاع الكارثية في البلاد.

في خضم هذه الفوضى المسلحة ظهرت الجماعات الإسلامية المتطرفة، فصيلا ضمن "المنتصرين" وبدأت في محاولة إملاء رؤاها ومواقفها تجاه محيطها بالتهديد وبالوعيد، وبالقوة في بعض الأحيان؛ كما تُنسب إلى هذه الجماعات سلسلة الاغتيالات التي حصدت أرواح مئات من ضباط وعناصر الجيش والشرطة في شرق البلاد.

مع زيادة الاحتقان السياسي والأمني وانعدام الاستقرار، ظهر حفتر وأنصاره من بقايا المؤسسة العسكرية المنكوبة بالاغتيالات وبالإهمال ضمن مشروع مضاد لسلطة الأمر الواقع وللفوضى ولاستشراء التنظيمات المسلحة المتطرفة، كما يسوق للحركة قادتها.

في المقابل، سارت العملية السياسية لبناء مؤسسات الدولة وفق نهج لا يعترف بالآخر، وأصبحت "الشرعية" المنتخبة المتمردة تُوجه بخطابات التهديد النارية، وبفوهات البنادق والمدافع والقذائف الصاروخية متى لزم الأمر؛ وبدلا عن بناء وطن للجميع وبالجميع، اختار منتصرون تتويج أنفسهم وإبعاد المهزومين واعتبارهم من "أزلام" النظام السابق وفئات "خائنة" و"خردة بشرية"، وذلك بهدف الاستفراد بالسلطة، على الرغم من خطورة هذا النهج على السلم الاجتماعي وعلى وحدة وترابط البلاد الغارقة واحاتها المتباعدة في بحار من الصحاري والخلاء واليأس.

بالتوازي، سارت الجماعات المتطرفة في الطريق ذاته، وهي الأخرى واجهت "خصومها" بخطاب رفض قطعي ممهور بختم "الكفر" بدلا عن النعوت الوضعية الأخرى.

وهكذا، فيما تنغمس الأطراف المنتصرة في "التمكين" لنفسها سياسيا وعسكريا والاستماتة في الحفاظ على ما غنمته من مكاسب، تتقطع أوصال البلاد، وتزداد تناقضات "الأقاليم" في الشرق والجنوب مع سلطة الأمر الواقع في طرابلس، ما بات يهدد، بشكل خطر، وحدة التراب الليبي، ويؤجج دعاوي التقسيم وبخاصة في "برقة" الأكثر تضررا واشتعالا من الفوضى القائمة.

لا ترى القوى المتنفذة في ليبيا الواقع كما هو عليه، بل كما ترغب أن تراه، ولذلك تواصل بشكل يزداد عنفا إذكاء نار العداوة والفرقة عبر الإصرار على فرز "الخيرين" عن "الأشرار" و"الصالحين" عن "الكافرين"، وهي "سياسة" لا علاقة لها البتة ببناء مؤسسات الدولة مع الآخرين، بل الهدف منها فرض "دولة" على الآخرين.

وعلى هذا المنوال، تتسم الأحداث الجارية في ليبيا، بما في ذلك الانقلابات والانقلابات المضادة، بسريالية فجة؛ كما يتسم خطاب بعض الأطراف بالعدائية والغلو؛ وهي أطراف لا تأبه بردات الفعل المقابلة، ولا تقيم وزنا لهشاشة الوضع السياسي والاجتماعي والجغرافي في البلاد، وتتصرف كما لو أنها تخوض حرب تحرير لا تواجه فيها شركاء بحقوق متساوية في وطن.