Atwasat

الإخوان واختلاط الحابل بالنابل

محمد الطاهر الحفيان الخميس 22 مايو 2014, 01:54 مساء
محمد الطاهر الحفيان

اتسمت مواقف قادة الإخوان المسلمين في سنوات حكم القذافي الأخيرة بـ"الاعتدال" والمهادنة، ما جعلهم عرضة للانتقاد الشديد من قبل قوى المعارضة الأخرى وشخصياتها البارزة، بخاصة رفضهم لمطلب التغيير الجذري، وانحيازهم للتغيير السلمي من خلال الرهان على جيل النظام الثاني ووعوده بالإصلاح عبر مشروع "ليبيا الغد" تحت وصاية نجل القذافي سيف الإسلام.

اندفع الإخوان إلى الواجهة بقوة، بعد سقوط النظام في المعركة التي قام الناتو فيها بالدور الأساس، وتمكنوا في معركة "الغنائم" من الاستحواذ على أهم المكاسب بالسيطرة على مفاصل حيوية في الدولة، وذلك من خلال تحالفهم مع شيوخ "الجماعة المقاتلة" متسلحين بتشكيلات ما يعرف بـ"غرفة ثوار ليبيا" والتي ضمت كتائب إسلامية متطرفة تنفذ أوامر قادة مدنيين بمعية هيئات شرعية تشريعية.

في هذه المرحلة تغيرت بشكل جذري مواقف قادة الإخوان واختفى اعتدالهم وصارت مرونتهم من الماضي، تجلى ذلك في مواقفهم الغاضبة والعنيفة من حصول مرشحي تحالف القوى الوطنية بزعامة محمود جبريل على أغلبية أصوات المقترعين الذين نعتوا بأشنع الصفات، بالإضافة إلى استصدار القانون رقم 7 الخاص بإعادة "تحرير" بن وليد، وفرض قانون العزل السياسي بالقوة من خلال اقتحام قوات موالية لهم ولحلفائهم للوزارات عدة مرات، وممارسة الضغط والترهيب ضد أعضاء المؤتمر الوطني العام، ناهيك عما تعرض له رئيس الوزراء السابق علي زيدان على أيدي بعض أنصارهم من اختطاف وإذلال لرأس السلطة التنفيذية "الشرعية".

أدار الإخوان وحلفاؤهم دفة الأمور في الدولة بكيفية وطدوا من خلالها الفوضى ودعموا المليشيات التابعة لهم ولغيرهم، وفعلوا كل ما بوسعهم لإضعاف القوات النظامية وأجهزة الأمن المتخصصة، فشاعت الجرائم بمختلف أنواعها، كما نشط التكفيريون في اغتيال ضباط وعناصر الجيش والشرطة في بنغازي ودرنة، المدينة التي أحكم المتطرفون السيطرة عليها، ولم يعر الإخوان وحلفاؤهم أي اهتمام للقتل اليومي في المنطقة الشرقية، كما لو كان الأمر طبيعيا، أو أن من يقوم به يحظى بحصانة، أو أن مواجهته مستحيلة.

في خضم هذه الفوضى التي استنزفت فيها ثروات البلاد واستقرارها وأمنها، برز خليفة حفتر الذي كان يسبح ضد التيار منذ بداية تشكل المشهد المأساوي في البلاد.

سعى حفتر أكثر من مرة إلى القيام بدور ما، إلا أن تيار الفوضى كان عاتيا، ولم يتمكن الرجل إلا من إثارة حفيظة مراكز القوى المهيمنة وفي مقدمتها الإخوان، فحاول في هذا الوضع المعقد تحريك المياه الراكدة من خلال بيان انقلابي في 14 فبراير الماضي، إلا أنه مرّ من دون أي تأثير، عدا زيادة نقمة خصومه عليه وتوعدهم له؛ إلا أن تواصل الاحتقان السياسي واستشراء الفساد وانعدام الأمن والقتل اليومي في شرق ليبيا كان يعمل لصالح حفتر ومشروعه المعلن لاستعادة هيبة الدولة وسلطتها المبددتين.

وجد أبناء المؤسسة العسكرية شرق ليبيا في حفتر، القائد العسكري القادر على لم شملهم ورصهم في مواجهة المقصلة التي نصبت لإعدامهم، فكان أن انضموا إليه وتحركوا في 16 مايو الماضي ضد معسكرات في بنغازي توصف بأنها لمتطرفين.

أعلن حفتر "الحرب على الإرهاب" وقام بما أحجمت عنه السلطة المركزية فمنحته بذلك فرصة ثمينة، قلبت الموازين ودفعت خصوم الإخوان من قبائل الزنتان وحلفائهم إلى حسم أمرهم والتحرك ضدهم في العاصمة.

ساهم "انتخاب" أحمد معيتيق المريب رئيسا لحكومة الوقت الضائع بشكل خاص في إكمال تسميم العلاقات بين أطراف الفيسيفساء الليبية، فبدأت تُقرع، لأول مرة، طبول الحرب الأهلية بشكل جدي، بخاصة مع اتساع حركة "الانشقاقات" والانضمام اللفظي والفعلي إلى صفوف ضباط الجيش القدامى في مواجهة الضباط الجدد من الشيوخ والحرفيين السابقين، خوفا من اكتمال أركان "الانقلاب" الجاري على "الوضع القائم"؛ انقلاب ما كان له أن يتمدد لو لم يهيء له الإخوان، في حمى انغماسهم في إبعاد منافسيهم عن "غنيمة" السلطة، التربة المناسبة والمبررات القوية للخروج عن "شرعية" مدجنة في دولة تنصل "المنتصرون" من مؤسساتها التقليدية فاختلط الحابل بالنابل.