Atwasat

كعكة القذافي المسمومة

محمد الطاهر الحفيان الأحد 18 مايو 2014, 09:06 صباحا
محمد الطاهر الحفيان

اختصر القذافي في سؤاله الاستنكاري الذي وجهه إلى الثائرين ضده: "من أنتم؟" وما تلا ذلك من صرخته: "أنا المجد" عبث سنين طوال من حكم فردي مطلق، كان لا يُظهر من ليبيا غير خيمة تفننت في ارتجال المشاريع الخرافية، وفي تسويق الأوهام على وقع صخب شعارات حماسية إسلامية وقومية وأممية وأفريقية.

اعتمد القذافي على ما يجود به باطن الأرض الليبية من نفط في تسويق نفسه قائدًا عابرًا للحدود، متجاوزًا رقعة بلاده الجغرافية وهمومها الثقيلة إلى فضاءات أبعد عربيًا وأفريقيًا ودوليًا.

سعى العقيد بعد أن أحكم قبضته على السلطة بمفرده إلى "المجد" بمختلف أنواعه بما في ذلك الذري، وحاول في فترة مبكرة الحصول على قنبلة نووية، وتؤكد مصادر عدة أنه بعد أشهر من الانقلاب أرسل القذافي عبدالسلام جلود إلى الصين في زيارة سرية لشراء واحدة من هذا النوع!

بعد فشل شراء قنبلة نووية جاهزة، تعاون العقيد مع الرئيس الباكستاني الأسبق ذو الفقار علي بوتو على "تحضير" قنبلة نووية إسلامية، وباء المشروع بالفشل بعد إزاحة بوتو عن السلطة العام 1977 وإعدامه العام 1979.
فيما بعد قرر العقيد إنتاج سلاح نووي بمفرده، وشيّد بمساعدة السوفييت العام 1983 مفاعلاً صغيرًا للأبحاث في منطقة تاجوراء شرق العاصمة طرابلس، وأنفق المليارات من ثروة الليبيين لتغذية نهمه لوسائل الدمار، كما فعل نظراؤه من طغاة المنطقة.

ازدادت في غضون ذلك الكراهية المتبادلة بين القذافي ومعظم الليبيين، وفيما تفنن العقيد في تعذيب مواطنيه والتضييق عليهم بمختلف السبل، تفنن الليبيون في السخرية منه والتهكم على نظامه
طيلة فترة حكمه، لم يعدم القذافي وسيلة للحط من قدر الليبيين ومن الإساءة إليهم وممارسة سياسة العقاب الجماعي ضدهم، وهو لم يكتف بذلك، بل كان يرى فيهم حملاً ثقيلاً يجب التخلص منه، تجلى ذلك في محاولته إقامة مشروع يتم من خلاله استجلاب ملايين من المواطنين المصريين بذريعة زراعة المناطق الصحراوية، استبدله فيما بعد بمشروع لـ"تصدير" الليبيين إلى الدول الأفريقية وتوطينهم هناك من خلال إغرائهم بقروض لإقامة مشاريع زراعية.
في نهاية المطاف لم يتمكن "الأخ" العقيد من "تهجير" الليبيين جماعيًا، هذه المهمة تكفّل بإنجازها الليبيون أنفسهم في زمن قياسي بعد نهاية نظامه.

فشل القذافي أيضًا في الحصول على سلاح نووي، وسارع إلى تسليم أطنان من وثائق ومعدات المشروعين النووي والصاروخي إلى الولايات المتحدة العام 2003 بعد أن شاهد مصير صدام حسين، ولم يتبق على الأرض الليبية من مشروعه النووي إلا 6400 برميل مليئة باليورانيوم المركز المعروف بالكعكة الصفراء مخزنة في منشأة عسكرية مهجورة في مدينة سبها.

لم ينل القذافي المجد النووي، ولا أي نوع آخر، ووجد لنفسه بديلاً مناسبًا في سنواته الأخيرة تمثل في تاج وصولجان "ملك ملوك أفريقيا التقليديين" لتتواصل فصول المهزلة التي ساهمت، إضافة إلى نقص المناعة المريع لدى "السكان"، فيما تلا ذلك من مهازل ومآس بعد اختفائه ونظامه.