يواجه المضاربون اتهامات بالتسبب في أزمة تهاوي سعر الدينار الليبي في السوق الموازية، لما يمتلكونه من أدوات القوة المالية داخل فروع مصارف محلية مستغلين حالة الانقسام السياسي لتغذية نشاطهم داخل الدولة العميقة.

وبين تعويم الدينار وزيادة حجم الإنفاق الحكومي وارتفاع مستوى الدين العام يؤثر هذا المشهد الاقتصادي المرتبك على المستهلك الليبي الذي أصبح يعيش تضخما محسوسا في الأسعار؛ إذ أدت الزيارة الكبيرة في سعر صرف الدولار في السوق السوداء، الذي وصل إلى 6.27 دينار قبل أيام، إلى ارتفاع ثمن المواد الغذائية الأساسية، خاصة أن الدولة رهينة المواد المستوردة.

تعويم الدينار
وأرجع خبراء اقتصاد ارتفاع سعر صرف الدولار إلى سياسة مصرف ليبيا المركزي الخاطئة في تعويم الدينار مقابل العملة الأميركية، إذ لم يوفر العملة الصعبة داخل المصارف المحلية، كما يشكو الكثيرون في ليبيا من توزيع الاعتمادات على فئات معينة تنتمي لفصيل واحد تتحكم في السوق الموازية.

وكشفت بيانات مصرف ليبيا المركزي، الصادرة الأسبوع الماضي، أن إيرادات النقد الأجنبي في العشرة أشهر من العام الجاري بلغت 17.9 مليار دولار خلال الفترة من مطلع يناير إلى نهاية أكتوبر، في حين بلغ إجمالي استخدامات النقد الأجنبي 30.6 مليار دولار، ما ترتب عليه وجود فجوة بلغت 12.7 مليار دولار.

تبادل الاتهامات حول حجم الإنفاق
وعليه دخل حجم الإنفاق العمومي دائرة التراشق الحكومي بعدما حمّل رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبدالحميد الدبيبة بشكل غير مباشر الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حمّاد المسؤولية، معتبرا أن «هناك إنفاقا موازيا بلغ أكثر من 15 مليار دينار لا يخضع لأية جهة رقابية محلية أو دولية تسبب في ارتفاعات وانخفاضات مفاجئة لسعر صرف الدولار».

وانضمت منظمة الخبراء الليبيين المستقلة إلى المنتقدين موضحة في بيان لها حول القضية أن «تصرفات حكومة الوحدة دفعت لتزايد تردي إدارة المال العام»، وأشارت إلى تفاصيل أوردها التقرير السنوي الأخير الصادر عن ديوان المحاسبة، حيث تضمن عدة تحفظات فيما يتعلق بتسيير المال العام.

ووجهت منظمة الخبراء الليبيين المستقلة اتهامات لحكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» بالتعدي على صلاحيات السلطة التشريعية وإخفاء أجزاء من الإيرادات النفطية، مضيفة أن حكومة الدبيبة «تورد الوقود بشكل غير شفاف ومن دون تفويض من السلطة التشريعية».

تجاوزات في الإنفاق رصدها تقرير «المحاسبة»
ورصد تقرير ديوان المحاسبة السنوي 2022 تجاوزات في الإنفاق العمومي، لافتا إلى «ارتفاع نفقات السفر والمبيت بالنسبة لأعضاء مجلس الوزراء من 4.1 مليون دينار ليبي بنهاية العام 2021 إلى 12.2 مليون دينار ليبي بنهاية العام الماضي»، إضافة إلى موافقة حكومة الدبيبة «على صفقة شراء سيارات للوزراء ووكلاء الوزارات وديوان رئاسة الوزراء بقيمة 40.5 مليون دينار خلال العام 2022».

- خبير اقتصادي يطالب «المركزي» بإعادة النظر في طريقة عمل شركات الصرافة لمنع المضاربة بالدولار
- خبير اقتصادي: الدولار ارتفع في السوق الموازية بعد تقليص «المركزي» المعروض من النقد الأجنبي
- الدبيبة: إنفاق موازٍ تجاوز 15 مليار دينار ساهم في ارتفاع سعر الدولار

وفي الأثناء، أشار وزير الاقتصاد والتجارة بحكومة الوحدة الوطنية محمد الحويج في تصريحات بعد اجتماع أخير للحكومة إلى أن الوضع الاقتصادي في البلاد مستقر، مستدلا بما ورد في تقرير صندوق النقد الدولي بشأن احتفاظ ليبيا باحتياطات من النقد الأجنبي تتجاوز 82 مليار دولار، وأكد أن «الارتفاع الحاصل في سعر الصرف يعد أمرا عارضا».

ولتجاوز المعضلة الحاصلة حاليا، يقترح متابعون للشأن الاقتصادي باتباع آليات لإعادة الاستقرار إلى السوق عبر توحيد إدارة المصرف المركزي بشكل حقيقي، مع إنزال سعر الصرف من 4.70 إلى 3.70 دينار مبدئيا لمدة سنة حتى تكسر شوكة التجار «المتغولين»، وفتح بطاقات الاعتماد الفردية للمواطن الليبي وتوفير الدولار في المصارف الفرعية بشكل مستمر، مع تشديد الرقابة على «الاعتمادات الوهمية» التي يتحكم فيها التجار عن طريق وزارة الاقتصاد.