في إطار الملف الليبي شمالا وجنوبا، ليحط هذه المرة في الكونغو برازافيل تحت عنوان المصالحة الوطنية التي يرعاها الاتحاد الأفريقي، ثم في العاصمة الفرنسية باريس التي اختارت التعامل مع المسار العسكري باستضافتها قيادات عسكرية، ممثلة في رئيسي الأركان محمد الحداد، وعبدالرزاق الناظوري، وأعضاء لجنة «5+5»، وسط أجواء الداخل التي شهدت مزيد التصعيد وخلط الأوراق بين من يسمون أطراف الأزمة، غربا وشرقا.

أسبوع خلط الأوراق وتصعيد الخلاف
يمكن تسمية هذا الأسبوع «أسبوع تصعيد الخلاف وخلط مزيد الأوراق»، إذ ساد الساحة الليبية مناخ سياسي مشحون تراوح بين تهديدات باستخدام القوة، واللجوء إلى القضاء كأوجه مألوفة للصراع القائم على السلطة في البلاد، فلم يكد يخفت ضجيج احتجاز وزير المالية السابق بحكومة الوفاق فرج بومطاري، حتى دخل رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وأعضاء من مجلس الدولة في خلاف جديد مع خصمه رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبدالحميد الدبيبة، عقب منع أعضاء بالمجلس من السفر إلى تركيا، مدفوعا بتقاربه مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عبر إقرار خارطة طريق جديدة، لتشكيل حكومة ثالثة. ولم يغب الفريق السياسي لسيف الإسلام القذافي عن هذه الأجواء، إذ استنكر إيقاف قيادات ونشطاء وشيوخ وأعيان القبائل، ومنعهم من السفر، للمشاركة في اجتماع المصالحة الوطنية في الكونغو بناء على دعوة الاتحاد الأفريقي.

ودخل القضاء على خط الخلاف بقرار محكمة أجدابيا الابتدائية تعيين محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، ونائبه مرعي البرعصي، عضوين في لجنة الحراسة القضائية على أموال وإيرادات النفط، بناء على ترشيح رئيس الحكومة المكلف من البرلمان أسامة حماد.

وقالت حكومة حماد في بيان: «المجلس الأعلى للقضاء ومحكمة أجدابيا أخطرا الصديق بتفويض محكمة شمال طرابلس، لأدائه اليمين القانونية، وطلبت من البرعصي الحضور لمقر محكمة أجدابيا، للغرض نفسه في أسرع وقت ممكن». كما دعاهما حماد، في بيان عبر تويتر، مساء الثلاثاء، إلى مباشرة أعمالهما، بهدف «الحفاظ على المال العام من الإهدار».

لكن رئيس حكومة الوحدة الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ردا على الحكم من العاصمة طرابلس ببحث دور «لجنة تنظيم ومتابعة الإنفاق العام وتعزيز الشفافية»، وكذا «أهمية تضافر كل المؤسسات، لإنجاح مهمتها»، حيث قررا الاجتماع للمرة الأولى الخميس في مدينة سرت، برئاسة المنفي، في وقت بحث فيه المبعوث الأممي عبدالله باتيلي مع رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة «الأهمية البالغة للحفاظ على وحدة وحيادية ونزاهة هذه المؤسسة الوطنية، باعتبارها ركيزة حيوية وأساسية لدعم الاقتصاد الليبي». وأوضح أنه «شدد على الضرورة الملحة للنأي بقطاع النفط عن الاستقطاب السياسي، وتأكيد ضمان عدم استخدام النفط كسلاح في الصراع القائم، وعدم الزج به في أي نزاعات سياسية أو اجتماعية».

- للاطلاع على العدد 400 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

نقل سلطة انتخاب المجالس البلدية
في تلك الأثناء، يحضر ملف الانتخابات، ليخلط الأوراق عبر إصدار مجلس النواب التعديل القانوني الخاص بنقل سلطة إجراء انتخاب المجالس البلدية من اللجنة المركزية للانتخابات المحلية إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابا،ت حيث ستكون هذه الهيئة الجهة الوحيدة المسؤولة عن تنفيذ الانتخابات العامة وانتخابات مجالس المحافظات والبلديات، والإعداد لها والإشراف عليها ومراقبتها وإعلان نتائجها، وذلك في وقت جرى فيه إلغاء نتائج الانتخابات البلدية في البيضاء وأجدابيا على خلفية اتهامات بالعبث في الاقتراع لمصلحة بعض القوائم.

جلسة لمجلس النواب لتمرير قوانين الانتخابات
ينتظر أن يعقد مجلس النواب جلسة، الأسبوع المقبل، لتمرير مشروع القوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة «6+6»، تمهيداً لإصدار خارطة طريق جديدة بالاتفاق مع مجلس الدولة، حيث يسعى عقيلة صالح لتسريع تشكيل حكومة بديلة عن حكومتي حماد والدبيبة، بينما تبقى التعديلات الصادرة عن تفاهمات بوزنيقة مثار خلاف للآن، من بينها شرط قبول ترشح مزدوجي الجنسية من دون أي قيد.

بدوره، يسابق باتيلي الزمن، لجمع المؤسسات والفاعلين الليبيين الرئيسيين من أجل التوصل عبر مفاوضات إلى تسوية نهائية بشأن أكثر القضايا إثارة للخلاف، حيث كثف في الآونة الأخيرة سلسلة لقاءاته مع من يسمون أطراف الأزمة، بينهم ممثلون عن مجلسي النواب والدولة والقيادة العامة والمجلس الرئاسي ممن شاركوا 19 و20 يوليو الجاري في اجتماعات تحضيرية لمؤتمر المصالحة في العاصمة برازافيل، حيث يتسمك الاتحاد الأفريقي بالتوصل إلى المصالحة الوطنية بين مختلف مكونات المجتمع الليبي قبل الذهاب إلى الانتخابات.

مؤتمر المصالحة في برازافيل
بحث عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي، خلال لقائه رئيس جمهورية الكونغو  واللجنة الأفريقية الرفيعة المستوى بشأن ليبيا في الكونغو دينيس ساسو انغيسو، الأربعاء، دعم الاتحاد الأفريقي المصالحة الوطنية في ليبيا، ودعوة أعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر الجامع في العاصمة برازافيل. وجرى تأكيد دعوة أعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر الجامع، الذي سيعقد في برازافيل، إلى وضع المقترحات من أجل إنجاح تنظيم هذا الحدث الوطني بمشاركة الأطراف المعنية.

واستعرض المشاركون مختلف التجارب الدولية لبلدان مرت بنزاعات، وحققت فيها المصالحة الوطنية أهدافها بالابتعاد عن الحرب، إذ تستهدف مثل هذه اللقاءات وضع تصور خاص وآلية عمل، لاستكمال مسار المصالحة الوطنية في إطار المبادرة التي اقترحها المجلس الرئاسي في يونيو 2022.

اجتماع القيادات العسكرية في باريس  
على مسار آخر، كانت باريس خلال الإثنين والثلاثاء محطة لقيادات عسكرية ليبية، ممثلة في رئيسي أركان حكومة الوحدة الوطنية محمد الحداد، والقيادة العامة عبدالرزاق الناظوري، إلى جانب لجنة «5+5» العسكرية، تحت عنواني «مساعي توحيد المؤسسة العسكرية»، و«تشكيل وحدة عسكرية مشتركة لحماية الحدود» التي تعثرت منذ إعلانها في مارس الماضي.

وعبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لدى لقائه العسكريين الليبيين، عن تقديره جهود أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة، وذلك بمنحهم وسام الشرف، لدورهم في اتفاق وقف إطلاق النار في ‫ليبيا، والعمل على استقراره وتثبيته. بينما أوضحت الخارجية الفرنسية أن اجتماع القيادات العسكرية الليبية في باريس «يندرج ضمن دعم فرنسا الحوار بين الجهات الفاعلة الأمنية في ليبيا، والأعمال التي تحققت في إطار مجموعة العمل الأمنية التي تشارك في رئاستها الأمم المتحدة، والمنبثقة عن لجنة المتابعة الدولية لعملية برلين»، والتي من المقرر أن تعقد اجتماعها الثاني في مدينة بنغازي 25 يوليو الجاري.
وسؤال الليبيين ومتتبعي الشأن الليبي هنا: هل ينجح العسكريون فيما فشل فيه السياسيون؟.