انتقد الخبير القانوني والدستوري المعروف كوني علي عبودة، ما وصفه بـ«تدخل» السلطة التشريعية في القضاء، محذرا من تداعيات ذلك على وحدة السلطات الرئيسية في وقت لا تزال فيه البلاد تعاني من استمرار الجمود الذي أسهم في تعميق أزمتها السياسية.

جاء انتقاد الخبير القانوني والدستوري في تعليقه على الكتاب الصادر عن المستشار القانوني لرئيس مجلس النواب أشرف المبروك الدوس، الموجه إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء المستشار مفتاح القوي بتاريخ 5 يوليو الجاري، والذي قدم له عبودة قراءة عبر حسابه على «فيسبوك»، مساء اليوم الجمعة.

تعليمات رئيس مجلس النواب لرئيس المجلس الأعلى للقضاء
وذكر الدوس في كتابه رئيس المجلس الأعلى للقضاء، بأن الاختصاص «فى مسائل الطعن فى دستورية وعدم دستورية القوانين» ينعقد للمحكمة الدستورية اعتبارا من نشر القانون رقم (5-2023) والذى جرى 6 أبريل الماضي.

ونقل الدوس إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء في الكتاب أن «تعليمات رئيس مجلس النواب (تقضي) بعدم الاعتداد بأي أحكام تصدر عن جهات غير مختصة قانونا وتُعد والعدم لصدورها بالمخالفة للتشريعات الصادرة»، داعياً إيها إلى «تعميم الكتاب على الجهات ذات العلاقة وآعتبار القوانين سارية إلى حين صدور ما يلغيها أو يعدّلها من السلطة التشريعية، حفاظا على استقرار ووحدة السلطة القضائية».

وتعليقا على ذلك، قال عبودة «وأنا أقرأ هذا الكتاب انتابنى شعور بالحسرة والألم على عقود ضيعتها وزملاء فى كليات القانون لأننا فشلنا فى تكوين من يمكنهم فهم أن القوانين تسرى من تاريخ نشرها وتبقى كذلك إلى أن تُلغى وفقا للمادة الثانية من القاون المدنى.

- بعد تسمية «النواب» أعضاءها.. المشري لعقيلة: متمسكون بعدم دستورية قانون المحكمة الدستورية
- بليحق: مجلس النواب صوت بالإجماع على اختيار رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية
- مجلس النواب ينشر قانون المحكمة الدستورية وقانوني الانتخابات لسنة 2021 في الجريدة الرسمية

ويلفت الخبير القانوني والدستوري في قراءته، إلى أن هذا الكتاب يدفع للوقوف عند بعض ما ورد فيه من نقاط وما لها من دلالات فى صورة برقيات، عددها عبودة في «الوحدة المزعومة للسلطة القضائية»، و«التدخل في عمل باقي السلطات» و«الإصرار على تأزيم المؤزم».

الوحدة المزعومة للسلطة القضائية
وبشأن الوحدة المزعومة للسلطة القضائية التي وردت في كتاب المستشار القانوني لمجلس النواب، تساءل عبودة عن كيف يكون الغرض من هذا الكتاب هو الحفاظ على «استقرار ووحدة السلطة القضائية»، وهذه الوحدة جرى «تفتيتها من نفس السلطة التشريعية الانتقالية بإعادة تشكيل المجلس الأعلى للقضاء واستبعاد رئيس المحكمة العليا منه».

ويضيف عبودة أن «الكتاب نفسه يخاطب رئيس المجلس الأعلى للقضاء ولا يخاطب رئيس المحكمة العليا وهي الجهة المعنية الأساسية! ولا يملك رئيس المجلس أن يخاطبها بموجب الكتاب لأنها لا تتبعه وهي لا تحتاج إلى تذكير بمعطى يعلمه كل من درس القانون!!».

وبين عبودة أن مضمون كتاب المستشار القانوني لرئيس مجلس النواب، «كان يجب أن يقتصر على طلب إخلاء طرف المرشحين من الهيئات القضائية لعضوية المحكمة. وهي مسألة لا أعتقد أنها يمكن أن تمر بدون جدل بسبب تبعاتها من نقل نوعى ومكانى... إلخ».

التدخل فى عمل باقى السلطات
وانتقد عبودة أن «الكتاب فى ذاته، واللغة التى كُتب بها يمثل تدخلا فى شأن باقى السلطات»، وذلك لأن «السلطة التشريعية ينحصر دورها فى سن القوانين، أما تطبيقها وتنفيذها فهذا شأن سلطتين آخريين وفقا لما يقتضيه مبدأ الفصل بين السلطات».

وقال عبودة «لو كنت فى مركز من وُجه إليه سأكتفى بالتأشير عليه: علم! فلكل مرشح للمحكمة الدستورية أن يقرر بحسب ما يمليه عليه ضميره ونظرته إلى تلك المحكمة والظروف التى أنشئت فيها إما القبول أو الاعتذار، كما فعل البعض».

إلاصرار على تأزيم المؤزم
ويرى عبودة أن «إقرار قانونين فى شأن المحكمة الدستورية فى مدة تقل عن ستة أشهر ودون احترام مقتضيات الواقع القانونى والانتقالى، وصدور حكمين من الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا لخير مؤشر على صدق الأزمة التى تمر بها البلاد»، معتبرا أن «هذا غيض من فيض».

وأكد عبودة أن صدور هذا الكتاب وتصريحات بعض النواب «حول ظروف إقرار قانون المحكمة، فضلا عن معارضة الضرة - المجلس الاعلى للدولة - كما تجلت فى الطعن الذى رفعه رئيسها (طعن د. 5-70بتاريخ 31-5-2023). تجعل من السهل الزعم بأن ما صدر من أحكام هي والعدم سواء، لكن من الصعب إثبات هكذا زعم فى الواقع، لأن مجرد نقل الاختصاص إلى محكمة أخرى لا يعنى سحب اختصاص سابقتها فورا، كما يعلم ذلك ذوو الاختصاص!».