كشف تحقيق «أوروبي- أفريقي» أرقامًا مهولة لحجم تهريب السجائر إلى ليبيا، مع تورط المافيا الإيطالية وميليشيات مسلحة؛ إذ يهربون أطنانًا من التبغ عبر الحدود إلى مصر أو إلى تونس وأوروبا، في حين تورطت مجموعات مسلحة بمقايضة التبغ بالبنزين المهرب من ليبيا، منتهزين حالة عدم الاستقرار الأمني.

وجاء في التحقيق الذي نشره معهد «الدراسات الأمنية»، وهو منظمة أفريقية غير ربحية تُعنى بقضايا الهجرة والأمن البحري والتنمية وحفظ السلام، أن المهربين تمكنوا من شحن نحو مليارين من السجائر إلى ليبيا وأربعة مليارات إلى تونس.

وجرى الشحن بعد تصنيع تلك الكميات في منطقة التجارة الحرة في جبل علي في دولة الإمارات العربية المتحدة ونقلها إلى شمال أفريقيا إما مباشرة أو عبر اليونان ودول البلقان، وذلك ضمن عملية تهريب أكثر من 10 مليارات سيجارة في العام 2017.

وكشف هذه المعطيات مشروع «إيناكت» الممول من الاتحاد الأوروبي والهادف إلى تعزيز قدرات أفريقيا في مواجهة الجريمة المنظمة عبر الوطنية في تقرير نشر الأسبوع الجاري، موضحًا أنه جرى تهريب بعض هذه السجائر مرة أخرى إلى الأسواق غير المشروعة في أوروبا الغربية.

موقع ليبيا يجعلها جاذبة للمهربين
وأكد أن ليبيا تحتل موقعًا استراتيجيًا بين جنوب أوروبا ودول الخليج والساحل، وهي مركز جذب للمهربين فقد أدى السياق السياسي والأمني الفوضوي للبلاد إلى تهديد سيادة القانون، مما مكَّن مجموعات الجريمة المنظمة من جنوب شرق أوروبا والمافيا الإيطالية من توزيع السجائر غير المشروعة محليًا وإقليميًا.

ووصف الباحث بمرصد الجريمة المنظمة الإقليمي لغرب أفريقيا ومعد تقرير «إيناكت» عبدالقادر عبدالرحمن حجم البضائع المهربة إلى شمال أفريقيا بـ«المذهل»، خاصة بين العامين 2014 و2018، إذ جرى إنتاج أكثر من 20 مليون علبة سجائر سنويًا في ألبانيا وتصديرها إلى ليبيا.

وبمجرد وصول الكمية، جرى تهريبها عبر الحدود إلى مصر. أما في العام 2015 فاعترضت السلطات اليونانية سفينة شحن محملة بـ146 طنًا من السجائر متجهة إلى ليبيا. وبعدها بعام في 2016، جرى تصدير 11.5 مليون شحنة سجائر من ألبانيا إلى ليبيا عبر مالطا.

مسارات التهريب الى ليبيا من اليونان الى تونس
وأبلغ صحفي من الجبل الأسود مشروع «إيناكت» أنه جرى تهريب 1.5 مليار سيجارة من اليونان إلى ليبيا في العام 2017. وفي العام 2018، صادرت الجمارك المالطية 37 مليون سيجارة مزيفة مرتبطة بالمافيا الإيطالية وكانت متجهة إلى ليبيا.

كما تعد تونس وجهة مفضلة للمهربين الذين ينقلون منتجاتهم إما مباشرة من جنوب أوروبا أو ليبيا، فبين العامين 2018 و2020، اعترضت الجمارك التونسية 15 مليون علبة سجائر مهربة وفق ما ينقل التقرير الدولي.

وأرجع أسباب انتعاش ظاهرة التهريب في تونس إلى فراغ السلطة الناجم عن سقوط الرئيس زين العابدين بن علي خلال ثورة 2011 ما أدى إلى تقويض سيادة القانون.

كما أنه على مدى العقد الماضي، بدأ التونسيون العاديون في الانخراط في قضايا الفساد الذي أصبح مستشريًا، لافتًا إلى نظر المهربين إلى التعاون مع مسؤولي الدولة والأجهزة الأمنية على أنه الطريقة الأكثر أمانًا لضمان حمايتهم. فيما يجري تبادل المعلومات والمدفوعات مقابل القدرة على متابعة أنشطتهم غير القانونية.

- ضبط 3 شاحنات في أجدابيا محملة بالتبغ قبل تهريبها
- تعزيز أمن الحدود ومكافحة شبكات التهريب ضمن مباحثات ليبية- أوروبية بطرابلس
- تونس تسمح بعبور بضائع إلى ليبيا.. واستثناء التبغ والفواكه
- تفكيك إحدى أكبر شبكات تهريب التبغ في اليونان

وأشار المصدر إلى عامل آخر يدفع الطلب على السجائر المهربة في تونس وهو فرق السعر بين العلامات التجارية المصنعة محليًا أو الأجنبية الأصلية، والواردات غير القانونية، بما أن الحكومة التونسية تحتكر صناعة التبغ، فإن السوق منظمة للغاية. لكن الأفراد الفاسدين المتورطين في سوق السجائر القانونية يتسببون عمدًا في نقص المخزون، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على التدخين المهرَّب والمزيف.

التهريب عن طريق الجبل الأسود
ويشرح التقرير طريقتين رئيسيتين للمهربين لتهريب السجائر إلى شمال أفريقيا وداخلها سواء من جنوب أوروبا والبلقان، حيث يجري نقل البضائع عادة إلى ليبيا عن طريق السفن من ميناء بحري مثل الجبل الأسود باستخدام أوراق وهمية.

ووفقًا لمهرب ليبي تحدث إلى معدي مشروع «إيناكت»، يقوم التجار الأوروبيون أيضًا بترتيب إعادة الشحن بين السفن في البحر المتوسط. وبمساعدة المجموعات المسلحة يقوم المهربون الليبيون بتبادل الوقود بالسجائر غير المشروعة، وفي بعض الأحيان الكحول أو غيرها من المنتجات.

كما تلعب دول البلقان دورًا مهمًا في تهريب السجائر إلى شمال أفريقيا. فقد أدى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي المزمن في البلقان وضعف سيادة القانون إلى تمكين مسؤولي الدولة من تورطهم في الجريمة المنظمة، بما في ذلك تجارة السجائر والمخدرات والأسلحة والابتزاز والاختطاف.

التعاون الأمني الغائب مع ليبيا
وبالنسبة لمصنع شركة «تشاينا توباكو إنترناشونال أوروبا» الذي أنشئ في العام 2007 في رومانيا تعد ليبيا بوابة للأسواق الأفريقية والأوروبية، إذ يعمل كمركز رئيسي للصين لتوسيع المبيعات عالميًا.

وفي العام 2021، جرى القبض على اثنين من المهربين ومسؤول تنفيذي كبير في الشركة المذكورة وهم يخططون للاتجار في حاوية تحتوي على 17 طنًا من السجائر غير المشروعة من إيطاليا عبر ليبيا حسب «إيناكت».

وحسب صحفي من الجبل الأسود فإن الشركة تصدر ظاهريا سجائرها إلى تركيا، لكن الشحنة ستصدر لاحقًا بأوراق مزيفة في الجبل الأسود وتحوّل إلى ليبيا، ومن هناك يجري شحن البضائع المهربة إلى أوروبا. ووفقًا للصحفي، فإن المصانع الصينية الأخرى في رومانيا وبلغاريا والبوسنة والهرسك وكوسوفو وألبانيا كانت أيضًا مصادر رئيسية للسجائر المباعة في السوق السوداء لشمال أفريقيا.

انتعاش الجريمة المنظمة مرتبط بغياب الاستقرار السياسي
ويفسر التقرير انتعاش نشاط الجريمة المنظمة بغياب الاستقرار السياسي في ليبيا، إذ لا تزال الميليشيات تشكل عقبة خطيرة أمام بناء السلام وتسهيل الاتجار بالسجائر. كما يمكن للتكنولوجيا الحديثة مثل أجهزة التتبع والتعقب أن تساعد وكالات إنفاذ القانون والشركات المشروعة في ليبيا وتونس على الحد من المشكلة؛ لكن الظروف الحالية، لا سيما في ليبيا، تجعل هذا غير مرجح في الوقت الراهن.

كما يدعو إلى تحقيق تعاون أمني أكبر وأوثق بين الدول الأوروبية (البلقان على وجه الخصوص) وليبيا وتونس، لأن ذلك غير قائم في الوقت الراهن، «في حين تبادل المعلومات في الوقت المناسب، وتسيير الدوريات البحرية المشتركة أو المنسقة بموجب اتفاقية تعاون، أمر حيوي. ومع ذلك حاليًا من المرجح أن يظل تهريب السجائر مصدر قلق رئيسيًا لشمال أفريقيا والبلقان وجنوب شرق أوروبا».