Atwasat

سالم العبار: نعيش ثقافة القرية في مدينة لم تتشكل بعد (1 ـ 2)

القاهرة - بوابة الوسط الخميس 24 أغسطس 2023, 05:45 مساء
WTV_Frequency

«أيقنت بأن هذه الحياة ليست لي، فلا الاسم اسمي، ولا المكان مكاني، ولا الذاكرة ذاكرتي»، «القصة القصيرة أنثى بتاء التأسيس وليس تاء التأنيث»، «أصدق الكلمات تصدر في لحظات الهذيان، حيث ينطق الإنسان ما في عقله الباطن ويكون في أعلى درجات التجلي»، «نحن في ليبيا ليس بإمكاننا أن نتفرغ للكتابة، تستهلكنا أشياء لا علاقة لها بالثقافة»، «حاولت أن أقدم شيئًا لمدينة بنغازي التي لها فضل كبير علينا». بجمل قصيرة، شاعرية، مغلفة بالشجن، بدأ القاص والناقد والصحفي والإذاعي ورئيس تحرير صحيفة أخبار بنغازي سالم علي العبار، حديثه مستدعيًا كينونته الوجودية، منذ ما قبل ميلاده حتى حلوله ضيفًا على برنامج «يُحكى أن» على قناة «الوسط» (wtv). 

أيقنت بأن هذه الحياة ليست لي
يبدأ العبار بتعريف نفسه بطريقة شاعرية، لا تخلو من شجن، قائلاً «الأسماء دلالات ومعانٍ، ترتبط ارتباطا وثيقا بالموروث الاجتماعي، خصوصًا أسماء الذكور، حيث تتخذ غالبا أسماء أكثر رفعة وشأنا من أسماء الإناث، حسب الموروث الاجتماعي، فالاسم يتخذ دلالة الشجاعة والشهامة، أو الاستبشار، أو إرثًا عن الجد أو العم». 

يضيف «الإنسان في اعتقادي ينفق جل عمره في أن يكون له اسمه، لأن الاسم ليس ما نتميز به من أسماء، وإنما بما نخلّده من أفعال، ومن خلال معايشتي لواقع مستجد، أيقنت بأن هذه الحياة ليست لي، فلا الاسم اسمي، ولا المكان مكاني، ولا الذاكرة ذاكرتي».

ويواصل العبار حديثه الشيق «هذه المدينة التي تشكّلت بغتة، لم يكن لي يد فيها، إن كانت حسنة فهي ليست من حسناتي، وإن كانت سيئة فهي ليست من سيئاتي، لكنني لا أريدها أن تجعل مني أكذوبة كبيرة. وهذا سؤال يؤرقني، فلا أنا ولا غيري اخترنا اسمنا ولا زماننا ولا مكاننا، وأنا لا أستطيع أن أتحدث بصيغة الجمع، إذا لم أتحدث بصيغة المفرد، لا بد أن أعرف من أنا، ومن أكون».

-سالم العبار يروي مسيرته الكتابية في وهبي البوري
«العبار» يتحدث عن تجربته القصصية والصحفية بمركز وهبي البوري
«يحكى أنّ»: في حب بنغازي مع دكتورة هنية الكاديكي

النشأة والانشطار بين القرية والمدينة
يستدعي العبار ذكرياته ويبوح بظروف نشأته قائلاً «نزح أبي من القرية إلى المدينة بعد أن طردته الحياة من جنتها، ليكتشف عالمًا جديدًا اسمه المدينة، لا أحد يعرف كيف تشكّل بهذه السرعة وبهذه الأنا، كان عليه أن يبدّل كل شيء، بدءًا من ذاكرته واسمه وأن يحلم بالجنة الموعودة، وأنفق في ذلك سنين طويلة ثم اكتشف بأنه لم يكن على وفاق مع عالمه الجديد، فراهن هذه المرة ومن منطلق أن الأولاد هم الامتداد، على أبنائه الأربعة، وأنا كنت أحد هذه الامتدادات مع إخوتي محمود وسعيد ومحمد، كان يحاول أن يجد نفسه في كل هذه الامتدادات، أو في بعضها».

يضيف «اكتشفت ذلك عندما بدأت أقرأه بعمق، وأفسّر حكاياته التي تبدأ من القرية، وتنتهي في المدينة، حيث كان يقص الأحداث بشكل مستمر، وبنسق جميل لكن عندما تصل حكايته إلى ذروتها في المدينة تتفسخ وتضيع بين الأزقة وتشربها الجدران، فأحس بأنه يتهدّم. لذا أنا ابن رجل إحدى قدميه في القرية والأخرى في المدينة، أنا على نقطة التماس بين القرية والمدينة، وكلنا كمجتمع عربي على نفس نقطة التماس، أي أننا نعيش ثقافة القرية في مدينة لم تتشكل بعد ولكننا نسميها تجاوزًا بالمدينة».

ويكمل «اُختير اسمي من السلامة، بأن سلمت أمي بوضعي فسميت سالمًا، ونُسبت كأي ابن لأبيه، كان لذلك دلالة حيث كان أباؤنا في تلك الفترة يعلقون علينا آمالاً كبيرة، بأن نبلغ أماكن عليا في المجتمع، لذا كنا حريصين أن ندرس ونتخرّج أطباء أو مهندسين، ولكن أدركت بعد ذلك بأننا كنا على خطأ، كان يجب أن نتعلم لنكون فلاحين أو عُمالاً».

يؤكد العبار «صار عندنا عشرات المهندسين والأطباء، ولم يعد لدينا عمالاً أو فلاحين، وهم اليد العاملة التي تنتج والتي يستفيد منها الوطن، وهذا مرده إلى أسس التعليم، ليس في بلادنا فقط ولكن في جميع بقاع العالم، التعليم يجب أن يخلق فيك بذرة المعرفة، لكنه لا يستطيع أن يخلق منك مبدعاً».

تقدير عام ممتاز رغم الظروف القهرية
يكمل «وجدت نفسي على مقاعد الدراسة كأي تلميذ من التلاميذ الذين يبدأون حياتهم العلمية بشيء من التوجس والرهبة والخوف، وكنت أضيق من الجلوس على المقعد طوال ساعات بعيدا عن اللهو واللعب، دون أن يحق لي اختيار مساحة من الوقت لنفسي حين أشاء.لم أكمل السنة الأولي حتى أصبت بالسل الرئوي، وكان منتشرًأ تلك الفترة كان من الأمراض الخطيرة (المزمنة)، فتوقفت عن الدراسة وخضعت للعلاج عامًا كاملًا، وكان من محاسن الصدف أن الذي كان يحقنني بحقن بالبنسلين هو الشاعر الكبير علي الفزاني رحمه الله، وكان متخرجًا من كلية الصيدلة بمصر وعمل بمستشفى الجمهورية أو الكبير كما كنا نطلق عليه سابقًا».

ويستمر العبار في سرد تفاصيل رحلته الدراسية فيقول «بعد سنة من حرماني من الدراسة نتيجة المرض، كنت توّاقا إلى مقاعد الدراسة، خاصة وأنا أرى أقراني يزهون بنجاحاتهم وبلوغهم السنة الثانية في التعليم، وشاء الله أن أُشفى من هذا المرض وأن ألتحق بالدراسة بمدرسة «الفويهات» وكانت هي المدرسة الوحيدة في تلك المنطقة، واستمريت بالدراسة فيها حتى أتممت الشهادة الابتدائية».

 ويختمها بقوله «تعرفت في تلك الفترة على كثيرين، واكتشف مدرس التعبير، وله الفضل، قدرتي على كتابة مواضيع التعبير بمستوى جيد، فكان يطلب مني كتابة موضوع التعبير بل ويطلب مني قراءته على زملائي بالفصل، وكنت في ذلك الوقت أطالع كل شيء مما أجده من الصحف، وما تنتجه المطابع من كتب، ودرست الإعدادية في مدرسة بوزريبة، والثانوية في مدرسة صلاح الدين، ثم انقطعت عن الدراسة عامًا نتيجة ظروف مادية بحتة واضطررت للدراسة المسائية بمدرسة شهداء يناير وتفرغت للعمل خلال الفترة النهائية، حتى تحصلت على الشهادة الثانوية بتقدير عام ممتاز، وكنت ضمن العشرة الأوائل الناجحين.أغرتني الدرجات العالية بأن أختار كلية الحقوق، خصوصًا وأن زملائي دخلوا كلية الحقوق، على الرغم من أنها ليست ميولي، وعلمي المسبّق بأن مواد القانون جامدة، إلا في القليل منها».

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
ألبوم «مرا» للتونسية آمال المثلوثي.. نسوي بالكامل
ألبوم «مرا» للتونسية آمال المثلوثي.. نسوي بالكامل
الفنانة الانطباعية ماري كاسات
الفنانة الانطباعية ماري كاسات
السينما السودانية تلفت الأنظار إلى الحرب المنسية
السينما السودانية تلفت الأنظار إلى الحرب المنسية
المتاحف الفرنسية تبحث في أصول قطع أثرية أفريقية نُهبت خلال مرحلة الاستعمار
المتاحف الفرنسية تبحث في أصول قطع أثرية أفريقية نُهبت خلال مرحلة ...
إطلاق اسم الفنان الجزائري إيدير على حديقة في باريس (فيديو)
إطلاق اسم الفنان الجزائري إيدير على حديقة في باريس (فيديو)
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم