Atwasat

عدنان معيتيق: العمل الفني يفضح القتلة وشاهد على جرائم الإنسان

طرابلس - بوابة الوسط: عبد السلام الفقهي الثلاثاء 06 سبتمبر 2022, 05:15 مساء
WTV_Frequency

كان الفن التشكيلي ولا يزال نافدة لونية كبرى على حياة الإنسان وأفكاره وأحلامه، وهو جسر نفسي أثير يصل الفنان بأسئلته القدرية بقدر ما يستشرف الإجابة، ويمنح لذاته المنشغلة بالواقع ومجاهله فرصة رسم يقارب عوالمه.

وإذا كان هذا الملمح يصف بعضا من منطلقات الرؤية التشكيلية في مفهومها العام، لكن يظل التباين موجودا بين تجربة وأخرى من حيث الظروف والأساليب والمعالجات الفنية، على مستوى الشخوص وكذا البلدان والقارات، وإذا ما اتجهنا إلى التجربة الليبية والعربية سنضع أمامنا جملة من التصورات التي تحاول فهم مكونات وطبيعة بيئاتها المختلفة وإفرازاتها الفنية عبر رساميها.

الفنان التشكيلي عدنان معيتيق أحد المنشغلين بالكتابة عن هذا الفضاء وتتبع مساره في خارطته المحلية والعربية وحتى الإقليمية، وصدر له كتاب «مكامن الضوء» راصدا إيقاعاته في محفله الليبي، كما يرى النور قريبا كتابه «رياحين» الذي يستطلع بعض التجارب العربية وأسئلتها، ولمعرفة روافد هذه النوافذ كان حوار «الوسط» مع الفنان والذي جاء على النحو التالي..

كتابك «رياحين» يقودنا للسؤال حول فهمك لطبيعة التجارب العربية بالخصوص؟
هو موضوع بحث بالأساس، نتيجة قراءات واطلاع واسع منذ ان تملّكني الشغف بالرسم، فكان من الضروري معرفة ما هو الفن التشكيلي، وكيف يفكر رواده وما هي التجارب التشكيلية العربية الرائدة ولماذا رائدة أصلا؟ ومقارنتها بتجارب الغرب التي هي المعيار الأساس والمهم في تقييم أي تجربة تشكيلية، بحكم أن التجربة العربية بالخصوص وغيرها من الأمم الأخرى تشكلت بنيتها ومفاهيمها على الأساس الغربي وشروطه، حتى تلك التي تدعي العودة الى الأصل واستخدام مواد أو مفردات محلية، كاستخدام الفنان المغربي بلكاهية للجلود أو الأصباغ المصنوعة محليا، أو استخدام العراقي شاكر حسن آل سعيد الحرف العربي وتفجير طاقاته الجمالية، كان ذلك تماهيا مع فلسفات الغرب وأفكاره التي طرحت بعد النهضة الأوروبية من تجرب بول كلي في استخدام الكتابة وتحويلها إلى رسم، وكذلك ما حدث عند اكتشاف التحليل الطيفي للألوان والعديد من النظريات العلمية في مجال العلوم كالهندسة والطب والفلك ونتائج التكنولوجيا الحديثة، فكل هذا جاء من النهضة الإنسانية في أوروبا التي جعلت الرسم في شكله الحالي، وهذا ﻻ يعني أﻻ نكون بلا سمات تميزنا في بلداننا في ليبيا والدول العربية والأفريقية، بل هناك أمثلة واضحة على النجاح في اليابان والصين ودول أميركا اللاتينية، فدخول الفنانين بثقافتهم إلى هذا العالم وقبول كل ما يمكن قبوله لتسخيره في صناعة فن بملامحهم الخاصة.

العنوان يقول أنها تجارب مختارة، ما هي معاييرك التي اعتمدتها في الاختيارات؟
تجارب جرى اختيارها حسب رؤيتي لمستواها الفني، ومن هنا ﻻ يمكن أن نحدد شروطا ومعايير منضبطة، بل هي تتبع منجز فني معرفي ورصيد من المعارض والمنجز على الأرض الواقع، فضلا عن القيمة التشكيلية والتي ﻻ تخفى عن أي صاحب ذائقة فنية، فالناقد يجب أن يمتلك ذائقة تمكنه من معرفة الجيد من الرديء، وحتى الفنان يجب أن يمتلك هذه الذائقة بالإضافة إلى اطلاع كبير على تاريخ فن وفلسفة كل التيارات والمدارس الفنية، وما جرى إنجازه من أعمال على الساحة الدولية والعربية والمحلية، ومن المهم أيضا أن يطلع الكاتب على التجربة وما يحيط بها من ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية، ومن أي مناخ تعيشه أفريقية أو عربية أو غيرهما، فكل هذه العوامل مجتمعة تعمل على صناعة فكرة عن المنجز التشكيلي ومدى أهميته من عدمه.

ماهي اتجاهات الأعمال في موضوعاتها وأفكارها، وهل هناك عامل مشترك يجمعها؟
للإجابة أحيلك إلى ما كتبه الناقد والفنان التونسي الكبير الدكتور خليل قويعة في تقديمه لكتاب بقوله «المؤلف ينفتح على مختلف تجارب الإبداع بالعالم العربي، وقد حاول أن يغطّي في نصوصه أكثر ما يمكن من البلدان العربية، إنها تجربة في النظر والقراءة، ويمكن تقسيم تفرعاتها إلى أربعة أبواب واضحة المعالم، وهي القيم الجمالية والروحية أولا، وإحياء شذرات بصرية من الذاكرة المنسية، ثانيا، ودلالة الوطن ثالثا، ثم أخيرا تجليات اليومي والتراث الثقافي المحلي. ومن خلال نماذج بعينها من الفنّ التشكيلي العربي الراهن، يتطرق الكاتب في السياق الجمالي والروحي، إلى صمت الشكل الفني وطرائق استنطاقه، وإلى ثنائية «الحركة والسكون» وإضاءة «متاهات الذات» والحس الطفولي الباكر ومخزونه الشاعري.

ويضيف قويعة «كما يتطرق إلى الأبعاد الصوفية للحروف العربية المشكلة داخل اللوحة، وإلى جمالية النشأة والتكوين والنظر إلى النبض الأبدي للعالم وهو يستمر إيقاعيا أمام العين. وفي سياق الذاكرة المنسية، يباحث الكاتب ألوانا وظلالا «تطارد ركام الذكريات» وتغازل ألوانا «خافتة في قصر التيه»، كما يستدرج «ذاكرة اللون» والخط ومختلف العلامات الساكنة في المناطق اللامغزوة للذاكرة، باتجاه استعادتها داخل القراءة البصرية، وبين طيات الخطاب، فيما يعمل في سياق ثيمة الوطن على ربط الشكل الفني بقيم الوطن والسلم والحرية، حيث «الرسم وطن للحلم»، بل وتحقيق إبداعي لحلم الوطن».

في «مكامن الضوء» كانت الإطلالة محلية، ما وجه التشابه والاختلاف بين التجربة الليبية ونظيرتها العربية؟
في «مكامن الضوء» كانت مقاﻻت عن تجارب ليبية منها الرائدة والأخرى الشابة منذ فترة التسعينيات، وهذه الفترة التي أعتبرها أهم مراحل التشكيل الليبي التي تشكل فيها الفهم الصحيح بعد تخرج العديد من التجارب من كليات متخصصة، وظهور تجارب أخرى مهمة تحمل ذائقة مطلعة ومثقفة زادت من ثراء المشهد، وفيما يتعلق بالتشابه والاختلاف كان هناك تقارب في مصادر اإلهام والتأثير من مدارس الغرب، إﻻ أن بعض التجارب العربية في بلدان مثل مصر ولبنان والعراق وسورية والمغرب وتونس والسودان، كان سابقة بفترة زمنية ليست بالطويلة، واستلهام التراث والموروث الشعبي كل حسب بيئته وشكله.

من خلال تتبعك لمسيرة الفن التشكيلي على المستوى المحلي والعربي، أين تطور وأين تراجع في كليهما؟
التجارب الرائدة كانت أكثر تطورا من الأخرى اللاحقة، لأسباب منها الاطلاع والدراسة الصحيحة وسعة الأفق المعرفي للفنانين، وأما الآن فكثير من أمور التشكيل أصبح من الممكن تزويرها وخداع الناس بها من خلال العمل «الديجيتل» فالكثير ﻻ يرسم بل يتكئ على ما يفعله الكمبيوتر وبرامج الرسم الحديثة، وهذا غير صحيح لأن هذه التقنية ليست الفنان ولا تحل محله بل يجب أن تكون أداة الفنان يستعملها برؤيته وخبرته، كالأدوات الأخرى التقليدية من الفرشاة والسكين والأقلام وغيرها.

هل لامست انطباعا نقديا عربيا عن التجربة الليبية؟ وما إذا كانت هناك إصدارات تناولتها كما في كتابك «رياحين»؟
اﻻنطباعات الجيدة عن التجارب التشكيلية الليبية عديدة وإن كانت بشكل فردي أقصد عن تجارب فردية، أنه كما تعلم ﻻ توجد حركة تشكيلية منظمة في داخل إطار مؤسساتي ومنظومة من المؤسسات التي ترعى وتعرض وتسوق للفن الليبي، من قاعات عرض ومجلات وصحف وقنوات ثقافية ومتاحف، لحفظ ما تم إنتاجه عبر تاريخ فن الرسم الليبي منذ بداياته الأولى، وتعريف الأجيال والزوار اأجانب من مهتمين وباحثين ودارسين في هذا المجال.

ما يمكن قوله أن هناك إشارات إلى أعمال ليبية في بعض من مقاﻻت النقاد العرب كتجربة الفنانين علي العباني والطاهر المغربي وعلي الزويك وغيرهم، حتى من التجارب الشابة ولكن حقيقة أقولها لم يجر رصد وإدراج الحركة التشكيلية الليبية في الكثير من كتب التشكيل العربي، وﻻ أعلم ما هي الأسباب، أعتقد أن الإعلام الرسمي الليبي والمؤسسات الرسمية كان لها الدور السلبي في هذا الغياب على الساحة العربية من مشاركات، فكل ما يجري يحدث بشكل فردي من فنانين على نفقتهم الخاصة، وكل ما يكتب من بعض الفنانين عن تجارب زملائهم هو تطوع ورغبة في العمل من أجل تغطية هذا العجز الذي كان من المفترض أن تقوم به الدولة في إطار مؤسساتها المعروفة وصناعة بيئة ملائمة لهذا المجال.

تمارس النقد والرسم، أي منهما يمثل عدنان معيتيق؟
فعل الرسم والكتابة كلاهما يفضي إلى نفس النتيجة من حيث المنجز الإبداعي ونجاحه على الأقل في الجانب المعنوي، فأجد نفسي في الرسم والكتابة التشكيلية معا.

تناولت في أعمالك أوجاع الحرب، إلى أي مدى يساهم الفن في التعريف بمخاطر العنف ومضاعفاتها؟
أشهر الأعمال تلك جسدت فضاعة الحروب كانت مؤثرة جدا في وجدان الشعوب مثل«غرنيكا» لبيكاسو والأمثلة كثيرة، فالأعمال الفنية تقوم بدور الرصد والتوثيق، والأهم من هذا كله تشكيل الوعي والمواجهة وفضح القتلة والمجرمين، وتبقى الأعمال الفنية شأن الكتب، وثيقة وشاهد على فظاعات الإنسان وجرائمه في كل مكان وزمان.

ما المصادر التي تساعدك كفنان على تجديد روحك الفنية، وفتح آفاق للتفكير ومواكبة دفق التصورات الحديثة؟
أعتقد أن الدفع الذاتي والشغف بالرسم والكتابة شيء يمتلكه الإنسان منذ الولادة، ويبقى الاطلاع والقراءة المستمرة والنظر هي الوقود الذي يعتمده الفنان في الاستمرار.

تقل مصادر والمراجع المهتمة بالفن التشكيلي والبصر ي بشكل عام، ما السبب؟
المصادر والمراجع في الفن التشكيلي قليلة جدا في ليبيا والمنطقة العربية أعتقد لأنه لا يوجد من يكتب إلا نادرا وحتى الترجمات في كتب الفنون قليلة جدا لهذا السبب، لأن لغة التشكيل على قدر كبير من الخصوصية، فلا تجد من المترجمين من يميل أصلا إلى أن يترجم مادة علمية من لغة أجنبية إلى العربية.

يُلحظ أخيرا نشاط في حركة الفن التشكيلي من حيث المعارض والمواهب المتجهة لممارسة هذا الفن، ما الذي تحتاجه هذه الذروة من الفاعلية، وكيف يمكن الرفع من مستوى مادتها؟
التوجيه يأتي من المتخصصين والدارسين والنقاد في كل القنوات المتاحة من مرئية ومطبوعة ومواقع اجتماعية، لتقديم التجارب والإشارة الى منجزها الإبداعي فهناك الكثير من المواهب الشابة ولها تجارب إبداعية أصبحت مهمة وأيضا قاعات العرض الخاص أصبحت أكثر أهمية للفنانين في ظل غياب تام للدولة لعرض وتقديم التجارب الحقيقية والدفع بها إلى الأمام.

نقلا عن العدد الأسبوعي من جريدة «الوسط»

الفنان التشكيلي الليبي عدنان معيتيق في حوار مع جريدة «الوسط» (بوابة الوسط)
الفنان التشكيلي الليبي عدنان معيتيق في حوار مع جريدة «الوسط» (بوابة الوسط)
الفنان التشكيلي الليبي عدنان معيتيق في حوار مع جريدة «الوسط» (بوابة الوسط)
الفنان التشكيلي الليبي عدنان معيتيق في حوار مع جريدة «الوسط» (بوابة الوسط)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
ألبوم «مرا» للتونسية آمال المثلوثي.. نسوي بالكامل
ألبوم «مرا» للتونسية آمال المثلوثي.. نسوي بالكامل
الفنانة الانطباعية ماري كاسات
الفنانة الانطباعية ماري كاسات
السينما السودانية تلفت الأنظار إلى الحرب المنسية
السينما السودانية تلفت الأنظار إلى الحرب المنسية
المتاحف الفرنسية تبحث في أصول قطع أثرية أفريقية نُهبت خلال مرحلة الاستعمار
المتاحف الفرنسية تبحث في أصول قطع أثرية أفريقية نُهبت خلال مرحلة ...
إطلاق اسم الفنان الجزائري إيدير على حديقة في باريس (فيديو)
إطلاق اسم الفنان الجزائري إيدير على حديقة في باريس (فيديو)
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم