Atwasat

(9) من ادبيات رسائل الفاخري

القاهرة - بوابة الوسط: محمد عقيلة العمامي الأحد 08 أغسطس 2021, 07:11 صباحا
WTV_Frequency

- (الزناتي) خليفة

حلم جنقي بأن تكون له زوجة نحيلة تطهو لي طعامًا جيدًا، وتنتظره خلف الباب عبر الأماسي الباردة. وأن تتزور معهم أحبابه في الأعياد، نفذه بحذافيره. كان دائمًا يسبقني أيام الأعياد، ويفترض أن أسبقه فنحن أصدقاء ولكنه أكبر مني سنًا ويتعين أن أكون السباق وذات عيد قررت أن أسبقه وأخبرت زوجتي وأطفالي، وخرجنا مبكرًا ولكننا وجدناه أمام، ضحكنا وحكيت له ما خططناه الليلة السابقة! فأجابني أن إحساسه لا يخيب، وقال: «بالله أحسست أنك تخطط «لمفاجأتي!» يوم عيد فجئتك مبكرًا» كان، أيام الأعياد، يطوف على معارفه كافة ولا يعود إلى منزلة إلاّ ظهرًا.

«كل شيء؟ حتى مساءلة أنها دائمًا «ناقصة»!

نهاية سنة 1979 لعله شهر نوفمبر، اتصل بي من كوبنهاجن. أخبرني أنه قادم إلى بنغازي مطلع شهر ديسمبر ليتزوج، لم أصدق ما سمعته، فلقد قدمني إلى فتاة دنماركية على أساس أنها خطيبته، وأنهما قررا الزواج! ثم عرفت منه أن سيتزوج من فتاة أعرف عائلتها جيدًا وشقيقتها كانت زميلتي في الجامعة، وأن هذه العائلة جارة أهل زوجتي، وتعرفها جيدًا. ولهذا وأنه لا يعرفها إطلاقًا وأن أسرته هي التي رشحتها له، وأنه لما عرف علاقتي بهما يريدني أن أذهب إليها وأحكي لها عنه، وأنا أقول لها عيوبه كافة قبل محاسنه، التي أضاف أنه لا يملك منها شيئًا! قلت له ساخرًا: «كل شيء؟ حتى مساءلة أنها دائمًا «ناقصة»! وبالفعل قامت زوجتي مشكورة، بالتنسيق مع أسرتها، ونقلت لها بأمانة شديدة عيوب جنقي، وهي قليلة بل ومحصورة في أمر واحد فقط، وبينت لها شخصيته وطباعة؛ بل وحتى ما يحب من وجبات بعينها، ونصحتها أن تقترب جدًا من والدته. وكانت جلسة مريحة لها ولي ومنها صرت كأخ لها، وصارت كأخت ولم تنقطع علاقتي الأسرية بها وذريتها حتى كتابة هذه الكلمات.

«أم بسيسي» كذلك سمى زوجته وظل الاسم ملتصقًا بها حتى الآن.

ذكريات فرح جنقي تحتاج إلى كتاب، وعلى الرغم من أننا اتفقنا ألا يقام فرح ليبي «للعراسة» بسبب أنه يريد مغادرة بنغازي مباشرة بعد الفرح، ناهيك أنه لم يغب عن معظم أعراس جيله، وهو صديق المدينة كلها.

يوم 12/19/ 1979 غادر بنغازي إلى أثينا ومنها إلى كوبنهاجن؛ حيث شعر بالدفء مثلما قال لي، فيما بعد، أول مرة في حياته. فخلال احتفالات تلك الأعياد، كل يذهب إلى ذويه ويتركون خلفهم الصقيع والوحدة، ولم يكن له أبدًا عيدًا مجيدًا، إلاّ بعد أن شاركته فيه «أم بسيسي» كما سمى زوجته وظل الاسم ملتصقًا بها، أطال الله عمرها، حتى الآن. استمرت إقامتهما هناك لعامين متصلين، واستمرت شقتهما خلال تلك الفترة، أكثر ترحيبًا بأحبابه، فلقد تجاوزته «أم بسيسي» في الكرم والترحيب.

(الكتاب السنوي) ستغرق تنفيذه خمس سنوات

بعد زواجه، انشغل تمامًا في إتمام (الكتاب السنوي) وهو مشروع استغرق تنفيذه خمس سنوات، ثم صدر في مجلدين حويا كل ما حدث في إسكندينافيا من نشاط ثقافي وسياسي واجتماعي وهو لا يزال موجودًا بمكتبة المعهد الدبلوماسي بطرابلس. وكنت قد انبهرت بالكتاب السنوي هذا، ونويت أن أكتب حينها عليه، ولكنني لم أفعل، لأنني لأنني كنت مأخوذًا بالأسلوب، وأيضًا موضوعه لا يهم إلاّ المهتمين والمختصين العمل الدبلوماسي. ولكن بعد رحيل الفاخري، بأكثر من خمسة أشهر، قرأت بعدد صحيفة أخبار بنغازي رقم 820 يوم 4/11/2001 مقالًا كتبه دكتور اسمه أبوالمندر مسعود عثمان، أوردته في كتابي منابت الريح، ورأيت أن أنقله إليكم:

«كنت طالبًا في الستينيات، أقطع مسافة ستة كيلومترات يوميًا إلى المركز الثقافي لقراءة الصحب الليبية، وكنت أبحث عن مقالات خليفة الفاخري وصادق النيهوم، وأعود إلى منزلي آخذ كتبي وأذهب إلى الشارع العام لتحضير دروسي. لم نكن في ذلك العهد نملك إلاّ مصباح كيروسين. كانت مقالات خليفة الفاخري تشدني إلى ذلك الإنسان الحالم بعالم من دون ظلم. لقد دافع عن الإنسان التعيس، ونقد ظواهر المجتمع المتخلف بحدة، موجهًا كتاباته إلى عقول البشر وليس لعواطفهم. كا لا يكل ولا يمل، وسافرت إلى الدراسة في الخارج، ولم أعد أسمع عنه شيئًا، ولم يعد يكتب في أية صحيفة. وفي إحدى رحلاتي أثناء عطلة الدراسة، إلى الدنمارك مررت بمكتبنا الشعبي، وهناك بالمكتبة وجدت كنزًا: سلسة من المجلدات كتب عليها (الكتاب السنوي للدنمارك) ولشدة دهشتي عرفت أن كاتبها كان هناك، وهو الكاتب خليفة الفاخري، وعرفت من قافة ذلك البلد ما لم يمكنك جمعه في سنين..!!»

وكان الفاخري متحمسًا لإصدار سلسلة من مثل هذه الكتب تتولاها سفاراتنا – التي لم تكن حينها قد أصبحت مكاتب شعبية- وذلك عبر ملاحقها الثقافية. ومن أجل ذلك كتب يوم 12/20/ 1976 رسالة إلى صديقه محمد يونس المسماري، عندما كان سفيرًا لبلادنا ببريطانيا، مقترحًا هذا المشروع.

«أخي العزيز محمد يونس كل سلامي إليك، ولقد أردت أن أكتب إليك من زمن بعيد، أردت أن أدع كلماتي تقول لك كم أنا أعزك، وكم أحمل إليك في قلبي من مودة واحترام جليلين. لكن الكلمات ظلت مطفأة العيون، ظلت عاجزة أن تحمل ما أحمله إليك، فليس ثمة، في الواقع، ما يعادل رؤيتك، والحديث معك ، ومصافحة ابتسامتك الأخوية الودودة أبدًا.

لذا فقد كنت أرجئ الكتابة إليك، على اعتبار أنني ما زلت- حتى الآن أنتظر الموافقة على إجازتي بحيث يظل في إمكاني المجيء إلى لندن، وزيارتك بشكل مفاجئ. غير أن إجازتي لم يوافق عليها حتى الآن، وما كنت لأقبل أن أستبدل قدومي إليك بمجرد مكالمة هاتفية عابرة، لأن إحساسي بالإعزاز تجاهك لا تكفيه مكالمة أو رسالة ما.

إنني أشعر بالخجل يحرق جبيني لعدم اتصالي بك بشكل أو بآخر طيلة هذه المدة، ولكنني في الوقت ذاته أدرك على نحو اليقين بأن ما أحمله لك من محبة وتقدير سيغفر تقصيري وقصوري. لقد كونت -عبر حياتي القصيرة المليئة بالمتاعب – عدة صداقات جيدة ولكنني أفتخر -بشكل خاص- بأنك أحد إخوتي الرائعين، وبأن وبأنك كنت ذات يوم العلامة المضيئة في ليلي الطويل هناك.

أنا بخير هنا.. وإني أحاول – خلال عملي – أن أعطى كل ما لديّ، بأحسن ما لديّ ولعلني كنت محظوظًا بالعمل مع الأخ يونس لمدى تفهمه وحسن إدراكه، ومعاملته. إني أتمنى أن يكون أعضاء السفارة لديك فاعلين بالقدر الذي يجاري إمكانياتك، أو يحقق طموحك، ويدعك علامة مضيئة كما كانت دائمًا. وإذ أرفق لك نسخة من (الكتاب السنوي) الذي أعددته بالسفارة كمرجع عن دول الشمال، لأني مهتم، فإنني آمل أن يحظى بإعجابك على اعتبار أنه مجرد نقطة انطلاق نحو أعمال أخرى أكثر فعالية وجدوى، فضلا ‘ن إمكانية اعتباره حافزا للأخوة العاملين في سفارتنا الأخرى من أجل خلق عمل مماثل، وأكثر إتقانا وجودة. أخيرًا، أتمنى لك الخير، وإليك إعزازي ومودتي»

أخوك خليفة الفاخري.

يوم 17/1/1980 قال لي وهو يودعني بمطار كوبنهاجن، عائدًا إلى بنغازي: «لا تتأخر في الكتابة إليّ، واذهب إلى والدتي وبلغها أننا ننتظر في (الزناتي). فلقد كانت زوجته حاملا بطفله الأول (غسان) الذي كان بالفعل يريد أن يكون أسمه ( الزناتي خليفة!) .

عقب عودتي بعثت له بالرسالة التي سوف نستهل بها الحلقة القادمة.

الاستاذ محمد البراني رفيق عمله في وجاره في النمارك
الاستاذ محمد البراني رفيق عمله في وجاره في النمارك
الاستاذ محمد يونس المسماري سفير ليبيا السابق في بريطانيا
الاستاذ محمد يونس المسماري سفير ليبيا السابق في بريطانيا
الكتاب السنوي اعده وخطه بيده
الكتاب السنوي اعده وخطه بيده
مع زميله عامر التوغار
مع زميله عامر التوغار
مع السفير يونس العمراني
مع السفير يونس العمراني
الكتاب السنوي
الكتاب السنوي
المستشار الثقافي خليفة الفاخري
المستشار الثقافي خليفة الفاخري
في واحدة من حفلات السفارة الليبية في الدنمارك
في واحدة من حفلات السفارة الليبية في الدنمارك
بطاقة الفاخري الدبلوماسية
بطاقة الفاخري الدبلوماسية
مع احد زوار السفارة في ذلك الوقت
مع احد زوار السفارة في ذلك الوقت
مع زميلية ميلود الحاسي وعامر التوغار
مع زميلية ميلود الحاسي وعامر التوغار

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
وفاة فرانك ستيلا أحد أبرز أسماء الفن التبسيطي
وفاة فرانك ستيلا أحد أبرز أسماء الفن التبسيطي
مادونا تلهب ريو دي جانيرو في حفلة وُصفت بـ«الأضخم»
مادونا تلهب ريو دي جانيرو في حفلة وُصفت بـ«الأضخم»
بحضور فناني ليبيا.. توقيع كتاب «كواليس الكوافي للمسرح العام ببنغازي»
بحضور فناني ليبيا.. توقيع كتاب «كواليس الكوافي للمسرح العام ...
أوكرانيا تسعى لأن تكون «مرئية» خلال يوروفيجن
أوكرانيا تسعى لأن تكون «مرئية» خلال يوروفيجن
بينهم ليبيون.. أكثر من 1000 مبدع ومثقف من 141 دولة يدعون إلى وقف فوري للحرب في غزة
بينهم ليبيون.. أكثر من 1000 مبدع ومثقف من 141 دولة يدعون إلى وقف ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم