Atwasat

قوارب الموت.. كيف حولت «جنّة أوروبا» حياة عائلات تونسية إلى جحيم؟

القاهرة - بوابة الوسط الأحد 05 مايو 2024, 10:38 صباحا
WTV_Frequency

انطلق نحو أربعين شابا، مطلع العام الحالي، في محاولة هجرة غير نظامية من السواحل التونسية نحو «الجنّة» في أوروبا، قبل أن تنقطع أخبارهم تاركين عائلاتهم تبحث يائسة عن بصيص أمل يوصلهم لهم.
ترجح المعلومات القليلة التي جمعتها العائلات أن أبناءها انطلقوا من سواحل محافظة صفاقس (وسط)، إحدى أبرز نقاط انطلاق المهاجرين غير النظاميين من تونس إلى إيطاليا، وتحديدا في الليلة بين 10 و11 يناير حين كان البحر مضطربا، وفق وكالة «فرانس برس».

أعمار ركاب قارب الموت
كان غالبية ركاب القارب من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و30 عاما، وينحدرون من منطقة الحنشة، وهي بلدة زراعية يبلغ عدد سكانها ستة آلاف نسمة، وتقع على بُعد 40 كيلومترا شمال مدينة صفاقس. وضمّ القارب أيضا أمّاً وطفلها البالغ أربعة أشهر. ولم تكن لدى إيناس اللاّفي أي فكرة عما يعتزم شقيقها محمد (30 عامًا)، الذي كان يكسب رزقه من خلال قيادة شاحنة عائلية لنقل أشخاص مقابل المال، القيام به.

- إنقاذ 87 مهاجراً من الغرق قبالة سواحل ليبيا ونقلهم إلى إيطاليا 
- الجزائر: اتفاق مع ليبيا وتونس على توحيد المواقف تجاه الهجرة

وتفصح اللاّفي (42 عاما) التي تعاني قلّة النوم منذ أن غادر شقيقها: «خرج نحو الساعة العاشرة ليلا يحمل هاتفه دون أن يعلم والديّ، ودون حقيبة أو ملابس إضافية، وكأنه ذاهب للقاء أصدقائه».
شارك يسري (22 عاماً) في الرحلة نفسها، ويؤكد عمّه المدرّس محمد الحنشي أن «أغلبية الشباب لم يبلغوا عائلاتهم، وانطلقوا بعد أن تمكنوا من جمع القليل من المال».

بداية الهجرة من تاجر أسماك
في المقابل، كان مفتاح جلول، بائع السمك البالغ 62 عاماً، يعلم «منذ فترة» أن ابنه محمد (17 عاماً) «يريد الهجرة إلى أوروبا» على الرغم من أنه نصحه بـ«عدم القيام بذلك، ولكن الفكرة سكنته». يبين جلول أنه في الليلة المشؤومة حاول منع ابنه الوحيد من الخروج متوسلا إليه أن ينتظر فقط تحسن الطقس، لكنه «قبّلني على رأسي وغادر». يتملك هذا التاجر إحساس بالذنب «كل يوم كان يخلق مشاكل في البيت. كان يريد المال للهجرة. أنا من أعطيته المال، لذلك أنا مسؤول».

احتل التونسيون خلال 2023 المرتبة الثانية على صعيد المهاجرين غير النظاميين الذين وصلوا إلى سواحل إيطاليا (17304 شخصا) خلف الغينيين (18204) وفق إحصاءات رسمية إيطالية. ويقول الناطق الرسمي باسم منظمة «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، إنه «لا يمكن تفسير ظاهرة الهجرة غير النظامية فقط استنادا لعوامل اقتصادية واجتماعية»، بل يضاف  «العامل السياسي والشعور باليأس لدى التونسيين الذين لا يثقون في مستقبل البلاد».

تقاسم المفقودون من الحنشة، وهم من الطبقة الاجتماعية المتوسطة الدخل، وليسوا بالضرورة فقراء، هذا «الإحساس بانسداد الآفاق». وكان لشقيق إيناس عمل يكسبه «20 دينارا يوميا (نحو ثلاثة يورو) بالكاد تكفيه ثمن سجائره». وقال إنه «لا يستطيع إنجاز مشروع ولا بناء منزل ولا الزواج». بينما لفت المدرس محمد الحنشي إلى أن «الشباب الموجود حاليا في إيطاليا ينشرون على شبكات التواصل الاجتماعي تجاربهم وحياتهم اليومية». ويتابع من بقي من الشباب في منطقة الحنشة ذلك، و«يريدون تغيير مستقبلهم. إنهم يتصورون أوروبا جنّة».

ويرجح أن هذا هو حال يسري الذي كان يعمل في مقهى مقابل أجر يومي يبلغ 15ديناراً، بعدما انقطع عن الدراسة في المرحلة الثانوية. حاول مفتاح جلول إقناع ابنه، الذي ترك بدوره الدراسة، بالهجرة بشكل قانوني إلى إيطاليا أو فرنسا أو ألمانيا. ويشدد الأب: «لا ينبغي أن يغادر دون مهارات مكتيبة أو مؤهلات. كان بالامكان أن يتعلم حرفة كالسباكة أو النجارة».

تضاؤل الآمال لدى التونسيين
يكابد جلول حاليا بحثا عن بصيص أمل بشأن ابنه. ويقول والدموع تغالبه: «مرت أربعة أشهر وأنا أبكي على فقد ابني. أنا وعائلتي مرهقون». وقد تمسّك هو وعائلات أخرى باحتمال أن يكون القارب قد انجرف نحو ليبيا. لكن، بعد إجراء الاتصالات والأبحاث، تضاءلت الآمال. 

يخشى كل من محمد الحنشي وإيناس اللاّفي الأسوأ. لا تخفي اللاّفي غضبها من المهرّب الذي نظم رحلة شقيقها «كان الطقس سيئاً للغاية. حتى الصيادين الذين يعرفون البحر جيداً عادوا إلى الميناء». وتضيف: «كان يعود دائمًا إلى هنا. لكن هذه المرة لم نره مرة أخرى».

تطالب العائلات السلطات بمواصلة البحث وتوفير المزيد من فرص العمل في الحنشة. ويقول الحنشي: «يجب علينا تطوير المنطقة الصناعية وتوفير فرص العمل للشباب». وسيكون من الضروري أيضًا «خلق حالة ذهنية مختلفة»، لجعل الناس يرغبون في بناء مستقبلهم في تونس من خلال الأنشطة التعليمية للشباب. وبخلاف ذلك، «فإنهم يكتفون بالذهاب إلى المقهى أو يلعبون كرة الطاولة أو الكرة الطائرة».

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
50 قتيلًا على الأقلّ جراء فيضانات في غرب أفغانستان
50 قتيلًا على الأقلّ جراء فيضانات في غرب أفغانستان
إجلاء 10 آلاف شخص في منطقة خاركيف الأوكرانية بسبب الهجوم الروسي
إجلاء 10 آلاف شخص في منطقة خاركيف الأوكرانية بسبب الهجوم الروسي
7 قتلى بسبب عاصفة هيوستن الأميركية
7 قتلى بسبب عاصفة هيوستن الأميركية
13 جريحاً في تصادم قطارين في العاصمة الصربية
13 جريحاً في تصادم قطارين في العاصمة الصربية
ارتفاع حصيلة إطلاق النار في باميان بوسط أفغانستان إلى 6 قتلى
ارتفاع حصيلة إطلاق النار في باميان بوسط أفغانستان إلى 6 قتلى
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم