في واحد من الحوارات التي أجريت مع الفنان التشكيلي عادل جربوع سئل عن أهمية المعارض، وماذا تضيف إقامتها للفنان؟ وتوقعت أن يقول، إن المعارض هي وسيلة الفنان في الانتشار، أو وسيلته في عرض أعماله، ولكنني فوجئت بإجابة لم تخطر على بالي مطلقاً، إذ قال: «إن الأديب الفرنسي أندريه مالرو، يرى أن الموسيقار لا يتعلم من خرير المياه، وإنما من موسيقى الآخرين، والرسام لا يتعلم كيف يرسم إذا نظر إلى غروب الشمس وشروقها، وإنما من لوحات الفنانين الآخرين. هناك يرى عملية تركيب الألوان وحركة الفرشاة. والأديب لا يتعلم مما يسمعه من قصص وحكايات ومن حكم الشعوب ولكن من الذي يقرأه للأدباء الآخرين». هذه الإجابة الذكية تبرز كم الفنان عادل جربوع مثقف ومتواضع وعملي، ولم أتوقع أبداً أن يعترف فنان تشكيلي بحجمه بأنه سيتعلم من الآخرين، فلعلها المرة الأولى التي سمعت مثل هذا الاعتراف، من فنان كبير.
أن الموسيقار لا يتعلم من خرير المياه
قدمه الشاعر عذاب الركابي، قائلاً: «فنان تشكيلي لا يرسم بأصابعه بلْ بجسده كله، ولهذا حين تقرأ لوحته التشكيلية لا تخطاها أبدا. رأيت الفنان التشكيلي المثابر عادل جربوع. لا بعين الشاعر الحالم فحسب، بلْ بعين العاشق الهاوي المسحور بالتشكيل وكيمياء اللون. وفلسفة الخط وعبقرية الفرشاة، وهو ما أورثتني إياه الكلمات. ثروتي. وشمسي. قاهرة الموت والذبول. صانعة الحياة. وهي مع اللوحة الأطول عمراً من الحجر والمدى !! ". ويرى الاديب منصور بوشناف أن تجربة عادل جربوع «من التجارب التي تحمل الكثير من الهموم والصراعات الداخلية وإن بدت في ظاهرها هادئة مسالمة».
وكتب الشاعر على الفزاني، قائلا أن معرفته بالفنان عادل جربوع تعود إلى عقد من الزمن وأنه: "... وبعد سنوات أخذت خصوصية هذا الفنان تتحرك من أخطر نقطة وهي الدخول إلى المعاصرة والمستقبل والحداثة من خلال صلب التراث الإنساني الأصيل متحاشياً القفز فوقه، وتلك فكرة ذكية جعلته يشكل الأزمنة والإيحاءات والألوان والضلال بريشة واحدة ذات إيقاعات متعددة، ما يجعلنا نقف أمام لوحاته متنقلين منذ عصر الكهوف إلى فراديس بابل المعلقة، ونمر في سماوات الحضارات الكبرى، ثم نتجول في مداخل النفس الإنسانية ونحدق في منعطفات وانعكاسات مجردة من الخرائط والخطوط الوهمية".وقالت الكاتبة الليبية المهتمة بالفن التشكيلي لينا العماري: «في تجربة عادل جربوع ، لا يمكن الفصل بين ما هو قديم وجديد ، فبقدر ما تنطلق لوحته من تراثها الشعبي ، نجدها في الوقت ذاته ثرية بمخزون ثقافي عالمي ، نتيجة تأثرها بمدارس الفن التشكيلي العالمية . ولعل الانجذاب الأكثر وضوحا يبرز من خلال طغيان آلية الرسم السريالي . وكأنه عبر استعمال هذا الأسلوب يطمح إلى أن تكون حركته داخل فضاء اللوحة أكثر تحررا . ليقودنا إلي تجربة بصرية موسيقية ، عبر مفردات شعبية من المعتقد أنها تطرد الروح الشريرة , و تحمينا من الحسد كالهلال و الحويتة و الخميسة » .
لوحاته من تراثنا الشعبي وثرية بمخزون ثقافي عالمي
أما الروائي المبدع محمد الأصفر فقال: « عادل جربوع هو الفنان عادل جربوع ولا يمكننا أن نطلق عليه سلفادور دالي الليبي أو غيره .. لأن خصوصيته الليبية ثابتة وتأثره الطفيف بالفن العالمي عبارة عن قشرة خادعة فبقليل من التمعن ستنزاح هذه القشرة وسنرى اللب الناصع الغائص في خصوصية فن هذا الشعب العظيم الضاربة جذوره الإبداعية في أعماق التاريخ السحيقة »
والواقع أن هؤلاء الكبار لم يتركوا لنا ما نضيف سوى «اقتباسات» مما قاله عن نفسه في حوار أجرته معه الشاعرة خلود الفلاح، قال:«أقرب الاتجاهات الفنية إلى نفسه هو السريالي، وعلى الرغم من اكتسابه لتجارب فنية متواضعة، جرب منها الكثير ولكنه ما زال في مرحلة البحث عن الذات»، وأنه «يعتبر الشاعر رساماً ناطقاً، والرسام شاعراً صامتاً، وأن الفن التشكيلي تعبير عن الوجدان ككل الفنون».
قد يكون ما انتقيته أعلاه، يصبح ناقصا، مالم نتناول جانب اهتم به الفنان عادل جربوع، وقدمه لنا من خلاله عددا من اللوحات، وهي تلك التي أصبحت تُعرف بفن الديجيتال، والتي قد نعتبرها جديدة على ثقافتنا الإبداعية على الرغم من أن بداية فن «الديجيتال» الحديث يعود إلى بداية الثورة الصناعية العالمية. متزامنا مع التغيرات السريعة في التصنيع والنقل والتكنولوجيا، والتغير العميق في الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للحياة في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، ثم في العالم كله. لم يعد الأثرياء فقط من يكلف الفنانين بالرسم، والتشكيل، فلقد ظهرت وسائط وتقنيات جديدة، لعل ابرزها التصوير الفوتوغرافي، الذي اخترع العام 1839، ثم تطورت إمكانياته لتتفجر من بعد سيطرة الكومبيوتر. وتطور هذا الفن، وأتخذ العديد من التخصصات لعل التجارية منها أصبحت الأبرز، ولقد أوردنا، في بداية هذه الحلقات التي استهلت بعدد من الفنانين، من الرسامين والتشكيليين العالمين، أحد هؤلاء الفنانين الذي اتجهوا نحو فن الديجيتال الذي اصبح في أمريكا في مصاف الفنانين الكبار، وهو «اندي وورل».
* عادل جربوع: فنان تشكيلي – مصمم ملصقات ومناظر مسرحية.
. من مواليد بنغازي 1961. شارك في سبعة وعشرون معرضاً جماعياً، وأكثر من سبعة معارض فردية.
. من المعارض الجماعية:
– معرض: ليكون البحر المتوسط بحر سلام – فيرونا – إيطاليا – 7- 2005.
– معرض على هامش مهرجان 24 ساعة مسرح بدون توقف – الكاف – تونس 3- 2005.
– معرض افتتاح رواق السلفيوم – مجلس الثقافة العام – بنغازي – 8-2007.
– مهرجان هون السياحي – هون – 11- 2007.
– معرض الفنون الداعم لغزة – دار الفنون – طرابلس 2009
. من المعارض الفردية:
– معرض جامعة قار يونس – 1993.
– المعرض الأول 1996
– معرض بنغازي السياحي – 1997
– معرض راس لا نوف – 1997.
. صمم عديد المناظر للمسلسلات الليبية الاجتماعية لإذاعة ليبيا منها:
«أسهل أكاديمي» – 2004 و«هدرازي 3 – 2008 و«ليبي كوم» – 2008وعديد مناظر الأعمال المسرحية منها:
«التحطيم »- 1997 و«جاك الليل»- 1997 و«الغجر غجر» – 1999 و«شيع وطي» – 2001.
و«توتر» – 2002 و «بائع الريح»- 2007.. وغيرها.
تعليقات