Atwasat

"رأسمالية المراقبة"

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 04 أغسطس 2019, 01:44 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

في البداية ارتبطت المراقبة بنشوء سلطة الدولة، حيث كان الأمر يتعلق بالحفاظ على الأمن في مستواه العام (أي إنفاذ القانون وحفظ أمن المجتمع، وهو بعد اجتماعي) وأيضا في مستواه الخاص المتعلق بأمن الدولة والنظام الحاكم، وهنا تتخذ المراقبة بعدا سياسيا.

هذا يعني أن الدولة هي التي تحتكر المراقبة مثل احتكارها العنف، ولا تتخذ المراقبة هنا بعدا اقتصاديا.

لكن مع التطور الهائل في الثورة الرقمية الذي حدث مع نهايات القرن العشرين بظهور الانترنت ومحركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي، لم تعد المراقبة حكرا للدولة، بل تعدتها إلى شركات محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي، ودخلت، بذلك مجال الاقتصاد وأصبحت تشكل بعدا من أبعاد الرأسمالية.

مصطلح "رأسمالية المراقبة "Surveillance Capitalism صاغته شوشانا زوبوف* Shoshana Zuboff في كتابها: عصر رأسمالية المراقبة: الصراع من أجل مستقبل الإنسانية على الحدود الجديدة للسلطة
The Age of Surveillance Capitalism: The Fight for a Human Future at the New Frontier of Power

الصادر بداية هذه السنة.
تقول المؤلفة عن** كتابها هذا: "لقد كرست هذه المرحلة من حياتي لفهم ومفهمة conceptualizing الانتقال إلى حضارة المعلومات information civilization. ثمة الكثير من العمل الذي ينبغي أن يعمل، إذا كنا نزمع على بناء جسور [نعبرها] إلى ذلك النوع من المستقبل الذي ندعوه ‘‘وطنا،،".

وفي مقابلة معها توضح أن "النحو الذي تتطور عليه الرأسمالية هو أخذ الأشياء التي تعيش خارج السوق لتضعها في حركية dynamic السوق، من أجل أن تباع وتشترى. وبهذا الاعتبار فإن رأسمالية المراقبة تباري هذا النمط التقليدي من التاريخ الرأسمالي. إلا أنها تفعل هذا في انعطافة مظلمة" ذلك أن "رأسمالية المراقبة تقوم منفردة بالاستيلاء على الخبرة الخاصة [الفردية] وتدخلها إلى السوق محولة إياها إلى بيانات سلوكية behavioural data، تستخدم كمادة خام لعمليات حاسوبية computation processes حيث يمكن تبين أنماط التوقع". وعند هذه النقطة فإن "‘‘منتجات التوقع prediction products ‘‘ تباع في نوع جديد من السوق يتاجر حصرا في رهانات المستقبل هذه المتعلقة بالسلوك الإنساني".

وعلى هذا الأساس تُعرِّف، في مقابلة أخرى، رأسمالية المراقبة على أنها "حيازة منفردة unilateral claiming للخبرة الإنسانية الخاصة باعتبارها مادة خاما مباحة لترجمتها إلى بيانات سلوكية".ولقد كان قوقل google صاحب الخطوة الأولى في مجال رأسمالية المراقبة سنة 2001 في مواجهة المتطلبات المالية لإضفاء الصفة القانونية بشكل سريع على خدمات البحث. ونجاح ذلك جعلها تهاجر إلى الفيسبوك، وخلال بضع سنوات أصبحت خيارا أساسيا لمعظم التطبيقات وغيرها. من هذا الفيض المعلوماتي يرصد القوقل البيانات السلوكية ويستخدمها في المجال المذكور أعلاه.

هذه الثورة الرقمية، قفزت بالمراقبة من مجال شركات الانترنت إلى الأفراد، بحيث صار بإمكان أي هاوٍ، أو هاوية، اختراق حسابك على الفيسبوك وإيميلاتك وهواتفك واعتراض كل شاردة وواردة تصدر عبرها أو ترد إليها.

* شوشانا زابوف أستاذة إدارة وأعمال. تعتبر إحدى الأستاذات المعتمدات في مرسة هارفارد للأعمال وأصغر امرأة تشغل فيها كرسيا دائما. إضافة إلى ذلك تحمل شهادة دكتوراه في علم النفس الاجتماعي وباكالوريوس في الفلسفة. لها عدة كتب.

** لم نتمكن من الحصول على الكتاب، فصغنا هذا المقال بالرجوع إلى بعض ما كتب عنه.